خواطر سجين كوفيد 19 - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

خواطر سجين كوفيد 19

زمن كورونا المستبد

  نشر في 30 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

هذه مجموعة انطباعات كنت نشرتها متفرقة منذ بداية شهر يناير وإلى الآن على صفحتي بالفيسبوك قمت بتهذيبها وتعديلهاونشرها هنا.

***

الفيروس "المتوج المستبد 19" مالئ الدنيا وشاغل الناس

بفضل التطور السريع لوسائل الإتصال والتواصل أصبح العالم قرية صغيرة، ولكن وكما يقال إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده، فوباء ظهر في الصين انتشر بسرعة النار في الهشيم عبر العالم، إنه "كورونا المستجد" أو "كوفيد – 19" الفيروس التاجي الذي أخليت له الشوارع، والأزقة، ولأجله أغلقت المتاجر، والمدارس، وتوقفت العربات عن الحركة، وحبس الناس في مساكنهم، وفرق بين المرء وزوجه - في الحياة والممات -؛ إذ ارتفعت نسبة الطلاق، إنه الملك المتوج المستبد الذي يجتاح البلاد ليحول حياة العباد جحيما، وكأنه من خزنة جهنم التسعة عشر، إنه يغزو رئة الأنام مما جعل الكوكب يتنفس من جديد (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء-19).

***

- كورونا من علامات الساعة أم علامة تجارية (صنع في الصين)؟!

إن البشرية ما زالت في طور الطفولة ولم تنضج بعد، إذ منذ اكتشافها للنار وهي مولعة باللعب بها، فالأنام تنجذب لمراقصة الموت، كما الهوام التي ترفرف حول النار حتى يلتهمها لهيبها، بل حتى البقر يفر من النار، إلا البشر يعتقد أن ما يقتله قد يقويه، فعبث بكل ما هو كيماوي أو نووي أو جرثومي أو فيروسي، فصدقت فيه مقولة ''الفضول قتل القط.''

وهل كورونا سلاح بيولوجي صيني أم أمريكي؟ أو هل هو مؤامرة من شركة أدوية - ربما قد تكون فرنسية - كل هذا وارد ، فهذه ليست أول مرة، وحتما لن تكون أخر مرة، وعلى أي فالنتيجة سواء ولا تسر الناظرين، نعم، قلنا من المحتمل جدا كونها مؤامرة لأن فيروس "ووهان" تنبأت به العديد من الأعمال الأدبية والسينمائية الأجنبية قبل حدوثه، فأن يتنبأ به شخص نقول صدفة ونقبلها، أما أن يتنبأ بذلك كثيرون فإنه "لا دخان بدون نار"، فلا بد أن هناك من أوحى لهم، والغرض من ذلك هو جس النبض وتمهيد الطريق، فعندما تتعدد الآراء تضيع الحقيقة وهذا ما حصل أخبرونا الحقيقة مسبقا تم قصفونا بوابل من الأكاذيب فلم نعد نعرف من نصدق رغم أن الحقيقة أمامنا، إلا أننا بتنا نشك في كل شيء يقال.

***

- ما وراء الستار في زمن الجائحة كورونا:

الإعلام يقول: ''أفعى شجاعة تنقذ سمكة من الغرق، والعالم يصدق أن السمك يغرق''، مع الأسف طبعا على السمكة لا على العالم الذي يقف متفرجا ببلاهة.

ما سبب هذه المقدمة الطويلة نوعا ما، حسنا السبب ما يلي:

في 11 يناير 2020 أستراليا تقرر قتل 10 آلاف جمل، بزعم أنهم سبب في الاحتباس الحراري.

وفي 14 فبراير 2020 مدريد تقرر قتل 11 آلف ببغاء، بزعم منعها للضوضاء.

وإذا أين الغريب في ذلك؟! آخ، نسيت أن أذكر أنه في 12 دجنبر 2019 بمدينة "ووهان" وسط "الصين" ظهر "كوفيد-19" فيروس الالتهاب الرئوي، وبدأ في الانتشار خارج "الصين"، وفيما بعد تناقلت وسائل الإعلام أن هذا الفيروس مصدره الحيوان: كالفئران، والكلاب، والجمال ... فهل بدأت تتضح الصورة لك الآن؛ إن قتل آلاف الجمال والببغاوات كان اجراء احترازيا من انتشار عدوى "كورونا فيروس 2" ، نعم، فهو يمت بصلة قرابة إلى فيروس "سارس" القاتل الذي ظهر بالصين عام 2002، وفيروس "ميرس" القاتل الذي ظهر عام 2012 بالسعودية وأصيب مزارع به من الإبل، بالإضافة إلى باقي فيروسات عائلة كورونا الأربعة المعروفة.

والخلاصة هي أنه عندما يركز البشر على الحدث ويغفلون عما يحدث خلف الكواليس فهم كالبقر الذي يرى العشب ولا يرى الهاوية، تماما كما ذكر ابن الجوزي في كتابه "القصاص والمذكرين" قال: أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أخبرنا محمد بن مرزوق، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت، قال: أخبرنا الحسن بن الحسين النعالي، قال: أخبرنا أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، قال: أخبرني الحسن بن علي، قال: حدثنا ابن مهرويه، قال: حدثني أحمد بن خالد، قال: حدثني عثمان الوراق، قال: رأيت العتابي يأكل خبزاً على الطريق بباب الشام، فقلت له: ويحك أما تستحي؟! فقال لي: أرأيت لو كنا في دار فيها بقر، أكنت تحتشم أن تأكل وهي تراك، قال: فقلت، لا، قال: فاصبر حتى أعلمك أنهم بقر، فقام فوعظ وقص حتى كثر الزحام عليه، ثم قال لهم: روي لنا من غير وجه أن من بلغ لسانه أرنبة أنفه لم يدخل النار، قال: فما بقي منهم أحد إلا أخرج لسانه يومىء به نحو أرنبته، ويقدره: هل يبلغها؟ فلما تفرقوا قال لي العتابي: ألم أخبرك أنهم بقر.

***

عندما قال الغرب إن بعض الأفلام الأجنبية والروايات – "عيون الظلام" و"نهاية العالم" و"2020" - تنبأت بكورونا، قال العرب إن بعض المؤلفين منهم الطبيب أحمد خالد توفيق والشيخ الداعية سفر الحوالي تنبؤوا بكورونا، ثم قال الغرب إن المنجم "نوستراداموس" تنبأ بكورونا، فقال العرب الرسول عليه الصلاة والسلام تنبأ بكورونا، وقال قس عربي إن من شرب تراب ضريح العذراء الفلانية شفي من كورونا، فقال خسيس عربي من فتح المصحف في السورة الفولانية ووجد شعرة فسيشفى من كورونا، وقال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: ''حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم''، وأقول أنا أخي أختي إن وجود شعرة بالمصحف الكريم إن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن صاحبها سيصاب بالصلع المبكر فقط لا غير، فكف عن الاستهزاء بالدين.

***

إن من يتبع السنة النبوية في آدب العطاس، ويتوضأ خمسا في اليوم للصلاة لا يخشى كورونا، فإن انعزل عن الناس في بيته مخافة أن يعديهم فمات بكورونا فقد مات شهيدا، أما الآن فقد حق وقت حظر تجول الرسائل المحولة حول كورونا، رجاء كف عن ارسال الرسائل المحولة على "الواتس آب" فالشخص يرسل رسالة إلى عشرة أشخاص وبعد بضع دقائق تحول إليه من مائة وإحدى عشر شخصا، هذا نفسه وباء أسرع انتشارا من داء كورونا، فكف عن ازعاج إخوانك حول كورونا، لقد بتنا نعلم كل طرق الوقاية من الوباء، وحان وقت رفع الأكف بالدعاء لرفع هذا البلاء، لكن إن وصلك دعاء فاحتفظ به لنفسك ودعوا به لغيرك تؤجر على ذلك.

***

إنه وباء عالمي جعل الدول تغلق حدودها برا وبحرا وجوا خوفا من انتشار العدوى بعد انتهاء موجة الفيروس سيكون هناك ضحايا بالآلاف في صفوف مسلمي الإيغور بالصين، ومسلمي بورما بميانمار، ومسلمي الروهينغا بالهند، والعجيب ما سيكتب في التقارير كونهم ماتوا ضحية الفيروس الذي أحرقهم أحياء وكسر جماجمهم بالعصي ومزق أجسامهم بالسيوف بطبيعة الحال سيتم التخلص من الجثث بما أنها مصابة بفيروس معدي.

الخلاصة الغرب للغرب والعرب عليهم البقاء في المغرب العربي والشرق الأوسط ينتظرون موعد الذبح مثل إخوتهم في سوريا وفلسطين.

***

بعضهم سعيد لأن فيروس كرونا لا يميز في إصابته الشخص الغني من الفقير، ولا الحاكم من المحكوم، لكن للأسف فهذا غير صحيح فهو مصمم ليقتل الضعيف ويبقي على الصحيح، وعليه فهو لا يرقى إلى العدالة الإلهية في الموت نفسه الذي لا يميز بين السقيم والسليم.

***

يقولون خطورة كرونا في سرعة الانتشار، وأقول خطورة كورونا في التأخر في اتخاذ القرار.

ففي زمن كورونا الفرقة الناجية هم المعتزلة، أما الفرقة الهالكة فهم الخوارج، ''فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا''، و''إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن''، فـ: ''مَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ''. إذ: (قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)(النمل-18)، و''الوضوء شطر الإيمان''، وعملوا بمحكم التنزيل: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)(المائدة-28).

فأين نحن من البشر فلا نحن مسلمين فنتبع شرع ربنا فنطيع أولياء أمورنا ونجلس ببيوتنا، ولا نحن ملاحدة علمانيين فنعمل بنصيحة الأطباء ونمكث في دورنا، ولا نحن منزلة بين المنزلتين فنعتزل الناس في منازلنا، والله ما نحن إلا ببقر يساق إلى صقر. مع تحياتي لذوي الألباب ممن غلق على نفسه الأبواب.

- (يقولون سمعنا وعصينا):

نعم لقد حق على كل إنسان الموت، وعلى الإنسانية الفناء، لكننا نصارع من أجل البقاء لأن الحياة أمانة إلهية فلا يجب أن نخونها، كما يفعل بعض العوام اليوم، يستخفون بالموت، عن جهل وعناد، قرروا الانتحار وقتل الأخرين أيضا، جريمة عن سابق الإصرار والترصد كاملة الأركان يرتكبونها بلا مبالاة، يتشدقون ويتفلسفون ويبررون بمنطق سقيم؛ ''الموت واحدة''، ''الكل سيموت يوما''، ''إذا كان مقدرا لي أن أموت فسأموت''، محتجين بقوله تعالى:(أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ)، وبقوله عليه الصلاة والسلام:(ولا عدوى ولا طير)، وفي أمثالهم قد نزلت آية:(فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)، لأنهم تركوا العمل بقوله تعالى:(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا يورد ممرض على مصح)، وقوله أيضا:(فر من المجذوم فرارك من الأسد)، فإن كنتم تؤمنون بقضاء الله وقدره، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) ففروا من قدر الله إلى قدره. فمن دخل داره فهو آمن، ومن ''دخل سوق رأسه'' فهو آمن، فلا تنشروا الشائعات حول علاجات وأساليب وقاية لا تحمي وتضر، فالعالم موبوء وعلماؤه مجندون يبحثون عن دواء الداء، فيأتي متشدق في الطب أو متفيهق في الدين فيقول: عقم منزلك بحرق أوراق الكاليبتوس، أو غرغر فمك بالماء الساخن والملح، أو كل الثوم والبصل وحبة البركة تقيك شر المرض. وأنت نفسك موبوءة وتنقل مرضك إلى الغير وأنت جاهل بذلك. وأخشى إن لم تفرض السلطات حظر التجول الإجباري فإن الناس ستخرج في جموع غفيرة لالتقاط صور سلفي مع فيروس كورونا كإثبات على شجاعتهم وعدم خوفهم من الموت (فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا) كما أخبرنا نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، أما من يردد قوله تعالى:(لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا)، بينما هو يكنس كنسا الطعام من الأسواق فهو منافق خاسئ، فأفق ولا تكن سببا في سعار الأسعار التي تضر بالمساكين والمحتاجين.

إن الفتنة أشد من القتل، فعلى هذا المعدل سنموت جوعا قبل أن يقتلنا فيروس كورونا، شراء المواد الغذائية بشكل هستيري سيتسبب في ارتفاع ثمنها حسب قانون العرض والطلب وهذا سيؤدي بشدة الفقراء في ظل الركود الاقتصادي الذي نمر به الآن. فإذا كان التجار فجار لاحتيالهم في جمع ثرواتهم في ظروف المحنة هذه فإن من يسرف في الشراء فوق حاجته لهو مغتال لبني جلدته. فيا مؤمن لا تكن سبب في هلاك المسلمين جوعا ولتشتري قوت يومك فقط.

- كورونا يعمر المساجد:

كإجراء احترازي لتجنب انتشار فيروس كورونا بين المواطنين سعت كل الدول ومن بينها المغرب إلى إلغاء الأنشطة الرياضية والفنية والتجمعات الكبرى وكل الملتقيات التي يحتشد فيها الناس، بسبب خطورة طبيعة هذا الفيروس القاتل السريع الانتشار والسهل الانتقال من شخص إلى أخر.

لكن وكما نعلم جميعا فالتجار فجار منهم من رأى في الوباء فرصة لحلب جيوب الناس وهناك من تضرر بسبب توقيف الأنشطة السابقة الذكر فاستأجر أقلاما صحفية تدعو إلى عدم إيقاف هذه الأنشطة وتهون من خطر الفيروس القاتل وتبعهم في مقالهم من تبعهم إما عن جهل أو عن غي لا عن رأي.

لكن هذا كله ليس موضوعنا، فما يعنينا هنا هو بعض الملتحون المتفيهقون الذين يدعون المسلمين إلى الإكثار من الدعاء والذكر حتى يجنبنا الله الآفات والمصائب، وكما يقال الشيء بالشيء يذكر، ألم يحدث نفس الشيء قبيل الاستعمار حين انغلق المغاربة على أنفسهم في المساجد رافعين حناجرهم باللطيف حتى دخل عليهم العدو، لأنهم أهملوا العمل بقوله تعالى:(وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)(الأنفال: 60). فيجب أن نستعد لهذا الفيروس القاتل بالعمل الجاد والتخطيط المدروس والبحث العلمي بالموازاة مع الذكر والدعاء والصلاة، فواجب المسلم في زمن كورونا:

إن كان عالما البحث عن الدواء لعلاج الداء.

وإن كان فقيها تفقيه العباد لتنجو البلاد.

وإن كان مسكينا رفع كفه بالدعاء لدفع البلاء.

وإن كان مقتدرا إخراج القفة للمحتاج حتى ترفع الجائحة.

أما ما يشاع ويذاع في وسائل التواصل الاجتماعي حول إلغاء صلاة الجمعة بالمساجد بسبب فيروس كورونا فلنكن واضحين الأمر لا يتعلق بصلاة الجمعة بل بالصلاة في المساجد أساسا، فالناس تتجمع لأداء الصلاة في المساجد، ولكن لماذا تم نقاش مسألة الصلاة في المساجد فقط دونا عن غيره؟! فماذا عن الحافلات المزدحمة بالركاب؟! وماذا عن المعامل التحت أرضية الحافلة بالعاملين والعاملات؟! والسجون، والمدارس إلخ ... ؟! بل والغريب هو أن يفتح نقاش مسألة الغاء صلاة الجمعة بالمساجد ناس لا يصلون أساسا، مما يجعلنا نتساءل ما هو غرضهم الحقيقي في الوقت الذي عرفت فيه المملكة اغلاق العديد من المساجد في السنوات الأخيرة قبل أن يكون لفيروس كورونا ذكر؟!

لكن لإظهار الحق المريض بفيروس كورونا يجب أن يعزل عن المصلين في المساجد، بل وحتى عن أهله بيته، في المستشفى. فإذا كان الأكل للثوم والبصل لا ينبغي له أن يقرب المسجد، حتى لا يؤدي المصلين برائحة فمه الكريهة، فما بالكم بمصابه الجلل، وفي المقابل على المصلين أن يدعون لأنفسهم ولإخوانهم المصابين بالفيروس.

نقطة ثم الرجوع إلى الله حول فتوى إغلاق المساجد، المعتمد هنا ليس كلام الملتحين، ولا المتعممين، ولا المتفيهقين، ولا المتشدقين وإنما أهل الذكر؛ وهم هنا عدول الأطباء المسلمين فإن قالوا: ''تغلق''، تغلق وانتهى الكلام، ومن يفتح الموضوع فهو فقيه سوء فتان والعياذ بالله.

***

إن البشرية ستتعافى من فيروس كورونا، لكنها لن تتعافى من جروح من خانونا. فعندما يتحول الطبيب إلى فقيه، ويتحول الفقيه إلى طبيب، فاقرأ السلام على الدين والدنيا، إذ ذهب الأمان.

نعم، كورونا زائر وسيرحل، لكن الذين أهلكونا فمقيمون بين ظهرانينا، فإلى أين المفر؟! وليس لنا سوى الله، ونعم بالله، كورونا جند من جنود الرب؛ لتطهير الأرض، وفتح عيوننا على الحقيقة لما استغنينا بالعلم عن الله، فجاء فيروس كورونا ليعلمنا أن علمنا لا يغنينا عن الله شيئا، فلطالما نظرنا إلى بلاد الصين نظرة إعجاب وإكبار، حتى سميناها بكوكب الصين نظرا لتقدمها التقني، فكانت المعجزة أن يظهر فيروس كورونا بالصين فيقفون أمامه عاجزين، وها هو فرعون عصره ترومب رئيس أقوى دولة متحضرة على وجه الأرض يخضع إلى إرادة الرب (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدوني)، فيدعو إلى الصلاة جماعة يوم الأحد تضرعا إلى رب العباد رفعا للبلاء، ويطلب من القس أن يرقيه، كما أظهر لنا فيروس كورونا حقيقة وصف الغرب بذوي القلوب الرحيمة والعرب بذو القلوب الرجيمة؛ فالرجل الأبيض الغربي المتحضر عندما أصبح يحتضر تحول إلى مجرم خطير بقلب متحجر، فلسفته أنا وأما الآخرون فإلى الجحيم، بدءا بالتضحية بصحة المواطنين لضمان استمرار عجلة الاقتصاد، وانتهاء إلى قرصنة الحمولات الطبية المتوجهة إلى الدول الغربية والعربية.

كما رأينا الصيني المصاب بالفيروس في المستشفى ينزع قناعه ويتعمد الصراخ في وجه الممرضات لإصابتهم بالعدوى، ورأينا الرجل الغربي المصاب بالوباء الذي يتفل على أزرار الجرس في البنايات، كما رأينا الرجل الغربي المريض الذي يلعق مقابض عربات التسوق بمحل تجاري، كما رأينا الإيطالي الذي اتصل بقناة التلفاز غاضبا لأن الجزائريين والمغاربة القاطنين بإيطاليا لم يصابوا بالمرض بينما ينبغي عليهم أن يمرضوا ويموتوا هم أيضا في نظره، ورأينا الملياردير الشهير والطبيب الفرنسي الذي يدعو إلى تجربة العلاج في الأفارقة قبل منحه للفرنسيين، ورأينا القس المسيحي الذي يخبر أتباعه بأن شرب تراب ضريح العذراء المقدسة الفلانية مخلوطا بالماء فيه شفاء من الداء، كما رأينا المعممين والملتحين من تجار الدين يستغلون جهل الغوغاء من أجل تحقيق مأربهم من شهرة وثراء وسلطة على حسب صحة البسطاء، فها هم رؤوس الشيعة يدعون أتباعهم إلى لعق شباك ضريح علي والحسن والحسين للشفاء من الداء بينما يلوذون هم بالفرار من الوباء، ورأينا من العرب الملاحدة والعلمانيين من يستهزئون بالدين وعلمائه، والحق لو أنهم عملوا بمقتضى الدين لما تفشى الوباء، فالمقيم بدار الوباء لا يغادره، والمصح لا يدخله، ناهيك عن الوضوء للصلاة، وآداب العطاس، والتثاؤب، وآدب التحية والسلام في الإسلام لسلمنا من كل داء عضال، والمعضلة هنا هو أن التهويل من خطر الوباء عند قوم أدى إلى التهوين من خطر الداء عند آخرين، وهذه قاعدة كونية وهي أن كل فعل ينتج عنه رد فعل مساوي له في القوة ومخالف له في الاتجاه، مما أدى إلى لبس في حقيقة الأمر، والذي هو إن كان حقا الأمر خطير فهو خطير، وإن كان غير ذلك فهو كذلك، لكن للأسف يتم التلبيس على الناس بقياسات معلولة، قياس مع فارق يؤدي إلى المهالك من نخبة القوم، فيقيسون عدد من يموتون بالجوع والحوادث وباقي الأمراض بعدد موتى فيروس كورونا، كما يوهمونهم أن طرق انتقال عدوى فيروس كورونا ليست بخطورة انتقال باقي الأوبئة الأخرى التي تنتقل في الهواء مثلا، وهذا ينم عن جهل مدقع بأبسط أساسيات الطب للأسف، ولا نلومهم فهم غوغاء حتى وإن كانوا مثقفون بشهادة دكتوراه، وإنما اللوم يقع على من ينشر ذلك على "الفيسبوك" و"الواتس آب" و"اليوتيوب" لكن المشكل أن بعض الأطباء يصدقون ذلك، بل وينشرونه أيضا، وهذا يدعوا للقلق بحق، فعلى الناس أن يؤخذوا العلم في هكذا أمور من منظمة الصحة العالمية، ومن منتديات الطب، واللغة هنا ليست بمشكلة فهناك ترجمة قوقل، ولا نتعجب عندما يتحول الطبيب إلى ناسك زاهد متعبد وفقيه في الدين، أن يتحول المريض إلى طبيب يعالج الداء بالفول، والثوم، وحبة البركة، فعندها لا نستغرب رفع البركة، وحلول العقاب؛ لأننا أهملنا العمل بالأسباب. وأما البحث عمن المسؤول عن انتشار الوباء فليس الآن أوانه وستظهر الحقيقة ولو بعد حين، لكن الطريف في الأمر هو مفهوم العالم، فعندما كان الداء يفعل فعلته في آسيا لم يكن الأمر يتعلق سوى بمرض، لكن عندما حل ضيفا ثقيلا بأوروبا أصبح وباء عالميا، فهل العالم يقتصر على أوروبا في تعريفها للوباء العالمي؟! شخصيا أعتقد ذلك. لقد أغلقت المدارس، والجوامع، فماذا عن الحافلات، وسيارات الأجرة المكتظة بالركاب؟! ففي الازدحام دعوة مغرية لفيروس كورونا لا يستطيع مقاومتها، لقد فعل فيروس كورونا المعجزات، فأفرغ الكعبة من الطائفين حولها، وألغى مهرجان موازين، فهل يستطيع القيام برابع المستحيلات وهو افراغ الحافلات من اكتظاظ الركاب؟! إن لم نفعل ذلك، فكرونا سيكون هو من يسوق الحافلة إلى وجهة الهلاك.

***

كرونا فيروس من الفيروسات التي مرت على هذا الكوكب، ويقتل حتى الآن أقل مما تقتل باقي الأمراض، فلماذا هذا الدعر؟

الجواب هو بسبب طرق انتقاله وسرعة انتشاره، لولا لطف الله أولا ثم التدابير التي اتخذها العالم لأصيبت البشرية في ظرف بضعة أشهر، فيأتي مأفون فيقول: بسبب وجود حالتين بالمغرب لا يجب الغاء المعارض، وغيرها من الأنشطة الدولية بالمغرب؛ فإن ذلك سيتسبب بمشاكل أخرى. إنه قلم صحفي مأجور يتاجر بصحة المواطن مقابل ملاليم لفائدة اللوبيات التجارية ورجال المال والأعمال المتضررين بهذا القرار الحكيم الذي اتخذته دول العالم بالإجماع وليس المغرب فقط، والذي لا يتوفر على رعاية صحية مناسبة في مثل هذه الأزمات.

***

إن فيروس كورونا يغير وجه العالم ويعيد كتابة النظام العالمي الجديد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والسؤال هو ما موقفك أنت هل ستكتفي بالوقوف متفرجا أم ستبادر إلى التغيير قبل أن يفرض عليك؟!


  • 2

   نشر في 30 مارس 2020  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا