أكتب إليك ما رواه لي صديقٌ عزيز , بشكل ما لم تعد تربطني به أيةَ صله ؛ قريبه كانت أم بعيده إذ أنه في الوقت الذي إلتقيت به فيه لم تكن هناك أياً من وسائل التواصل المتاحه الآن , وما دفعني إلي ذلك الأمر أن هذا الصديق لم يكن يشبه أياً ممن إلتقيت بهم سلفاً أو في أي وقتٍ أخر ؛ إذ بلغ من الطيبةِ وحُسن الخُلق والبراءةِ مبلغاً عظيماً بحيث يجعلك تُشفق عليه وتمقُت العالم الذي ينتمي إليه وتتسآءل عن كم المعاناة التي يلقاها كضريبه لإنسانيتةِ المفرطه.. علي أي حال إليك بإيجاز شديد-علي لسان صديقي العزيز- ماحدث .
** كانت تلك الفتره من الشتاء التي تترُك في نفس المرء شعورا شبيهاً بالوحده غير أنه ليس شعوراً كئيباً جداً وكُنت أعمل في إحدي الدكاكين التي لا تبيع أي شيء تقريباً ويتوافد عليها نفس الأشخاص علي نفس الفترات الزمنيه ليبتاعوا نفس الأشياء وكانت هي طفله في العاشره علي أقصي تقدير -إن لم تكن أصغر- , بشرتها علي درجه خفيفه من السُمره , عيناها ضيقتان بشكلٍ ساحر , وشعرها طويل يتدلي إلي أسفل ظهرها ولم تكن تجمعهُ أبداً ولقد أحببت ذلك حباً جماً وقلت في نفسي أنه من العظيم ألا تفعل, كانت تُدعى علّيا -علّيا هكذا بتشديد اللام دون الياء ( مثل شيئٍ مُرتفع بالعاميه )- رؤيتها كانت تبعث في نفسي بهجه لها لون نباتات الربيع الخضراء والسماء صافية الزُرقه ,, كانت تأتي دوما إلي الدُكان- تأتي يوماً وتترك اخر - لتشتري بعض المُجمدات التي تطلبها أمها , فإن لم تجد فإنها تشتري أي شيئ –أي شيئٍ تماماً- آخر ؛ قد تشتري الأرز وقد تشتري المكرونه أو أعواد الثقاب أو أيا ما كان وكان ذلك غريبا مضحكاً بالنسبه لي, وكنت علي الدوام أسألها إن كانت ترغب فعلاً في شراء تلك الأشياء وتقول بخفه : نرغب وأكثر, وكنت أعتقد علي الدوام أنها سوف تعود بتلك الأشياء لأن أمها لم ترغب بها ولكن ذلك لم يحدث أبداً , كنت أراقبها وهي تركض عائده فتنزاح بعض العتمةِ من صدري وينشرح و.... وحدث.....
• حدث ذات يومٍ غائم أن جاءت علّيا إلي الدكان- بورقه من فئة المائه جنيه- لتشتري بعض الحاجات , وضعتها لها في كيس ووضعت لها الباقي- وكانوا تحديداً خمسةٌ وسبعون جنيها - في نفس الكيس كما أفعل دوماً ؛ خشيةَ أن تسقط من يديها ومضت راكضه كما أعتدت رؤيتها وأعتادت ثم انصرفت إلي أمرٍ ما
• بعد فتره قصيره عادت علّيا يعتريها ذُعر من قام بشيئٍ يجهل كيف السبيل إلي التصرُف فيه وسألتني إن كنت قد وضعت لها الباقي في الكيس فأخبرتها أني قد فعلت وطلبت منها أن تعود فتبحث من حيث عادت إلي البيت فَفَعلَت , وفكرتُ قليلاً فيما يجب أن أفعل فأغلقت الدكان وخرجت وراءها لكني لم اجدها ولم أكن أعلم من أين سارت إلي البيت ولا أين تسكن فعُدت وقُمت متأنياً بمراجعة ثمن البضاعةِ والنُقود ثم لم يكن أمامي إلا أن إنتظرت حتي عادت علّيا مع أمها وحَكَت لي الأخيره عما دار في البيت من حوار ومافاتتني من أحداث بشأن النقود وسألتني بلطف إن كان خطأٌ ما قد حدث فآثرت أن يكون ردي عن طريق إخراج ما معي من نقود وإطلاعها علي كلاً من جرد البضاعه وصافي الربح الذي لم يكن بالكثير وبدت الأم مُستسلمه لحقيقة أن إبنتها أوقعت النقود في مكانٍ ما وهي في طريقها للبيت وكانت الأمور تسير بشكل جيد –بالنسبه لي علي الأقل – برغم أن ذلك الأمر خَلَّف لدي شعوراً غير مريحٍ إذ أني لم أعتد أن تكون لي اليد العُليا في أي أمرٍ من الأمور, وعلي ذلك قُمت بأغبي عرض يمكن أن يقدمه شخص في مثل موقفي ؛ فقد إقترحت علي أم الفتاه - رغم ما كُنت أمر به من ظروف معيشيه صعبه – أن أتحمل نصف النقود التي أوقعتها علّيا وتتحمل هي نصفها الأخر بدافع أنها ليست بالقليله وليس من العدل أن تتحملها وحدها...
• في الثلاث ثوان التي سبقت رفض أم علّيا لعرضي بلطفٍ وأدب , نظرت إلي بطريقه لم أستطع حتي يومي هذا نسيانها ؛النظره التي تعني أني لم أكن لأقوم بعرض شيئٍ مثل هذا إلا لأني بالفعل أخذت النقود أو بشكل ما هناك شيئا ليس نزيها أبداً بدر مني , غير أنها رفضت عرضي- كما قلت بأدب -ثم أقترحت هي أن أُعيد حساباتي مره أخري وفي النهايه إصطَحبت علّيا ورحلت ...
• كانت تلك هي أخر مره أري فيها علّيا ؛ لم تعد أبداً إلي الدكان بعد ذلك اليوم ولم أعد أراها إلا في وجوه أطفالاً في مثل عمرها يركضون كما كانت تركض بخفه وحيويه بشعر مسندل بشكلٍ ساحر وعيون ضيقه ,وقتها تمنيت- لو كنت أعلم أن ماحدث كان ليحدث-أني قد قلت أني أخذت النقود أو أن هناك خطأ ما قد حدث ؛ لكي أراها مجددا ....
• ومنذ ذلك الحينِ ومن حينٍ إلي حين-في مواقف مماثله – أتذكر ماقاله فيدور بافلوفتش(والد اليوشا ) في رواية الأديب فيودور دوستويفسكي (الإخوه كارامازوف) :
• " إن رغبتي في أن أكون لطيفا تسيء إلي دائما في هذه الحياه "
تمت
-
Abdulrahman Osamaأكتب إليكم لأقول أني لا أستطيع الكتابة (فيرناندو بيسوا)