من أعجب العجب ما نسمعه وما نقرأه من شرذمة من أدعياء العلم بأن المرأة المسلمة لا دور لها في المجتمع المسلم غير الحمل والولادة ورعاية الزوج وتربية الأولاد في قعر بيتها، وأنه لا يحق لها أن تشارك في أي منشط من المناشط تحت أي ظرف من الظروف.يقولون أن المرأة لايحق لها أن تخرج من بيتها إلا لبيت زوجها أو للحج أو لقبرها.
إن رعاية الزوج وتربية الأولاد من أجلّ مهام المرأة وأخص واجباتها ولا يماري في ذلك أحد ذو عقل ولكن هذا لا يعني أن المرأة تظل حبيسة هذا الدور المحدود، بل إن دور المرأة أعظم من ذلك بكثير وأكبر،فلقد كانت المرأة المسلمة تشارك في كل مظاهر الحياة في شتى العصوربدءا من عصر النبوة والخلفاء الراشدين ومرورا بالعصور الإسلامية المتعاقبة ، فتميزت في مجال التربية الأسرية وخرجت أبطالا وتميزت في مجال العلم والعبادة وخاضت المعارك تسقي العطشى وتداوي الجرحى بل وقاتلت بيديها وغزت في البحر ونال كثير من النساء الشهادة في سبيل هذا الدين ورفعته.
والمطلع على تاريخ الإسلام يجد الكثير والكثير من قصص البطولة الناصعة التي تتقاصر عنها همم الكثير من الرجال وأشباه الرجال ممن يعيبون على المرأة خروجها من بيتها ووقوفها في وجه الباطل والطغيان ونصرتها لدين الله ودفاعها عن الحق.
في فتح دمشق وتحت قيادة شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين ، قاتل المسلمون قتالا عنيفا على أبواب دمشق ولقوا مقاومة عنيفة من علوج الروم النصارى وهم يدافعون عن صليبهم وجرح واستشهد عدد كبير من المقاتلين المجاهدين،وكان ممن أصيب أبان بن سعيد بن العاص رضي الله عنه أصابته نشابة (سهم) وكانت مسمومة فأحس بلهيب السم في بدنه فتأخر وحمله اخوانه ومما قاله قبل وفاته ” أما والله لقد رزقني الله ما كنت أتمناه” يعني الشهادة ثم أشار باصبعه قائلا “أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون فما استتمها حتى توفي إلى رحمة الله تعالى”
فلما سمعت زوجته (أم أبان بنت عتبة بن ربيعة) بموته أتته تتعثر في أذيالها.وكانت بنت عمه وكان قد تزوجها باجنادين وكانت قريبة العهد من العرس ولم يكن الخضاب ذهب من يدها ولا العطر من رأسها وكانت من المترجلات البازلات من أهل بيت الشجاعة ، فلما رأته صبرت واحتسبت وقالت:
” هنئت بما أعطيت ومضيت إلى جوار ربك الذي جمع بيننا ثم فرق ولاجهدن حتى الحق بك فاني لمتشوقة إليك، حرام عليّ أن يمسني بعدك أحد وإني قد حبست نفسي في سبيل الله عسى أن الحق بك وأرجو أن يكون ذلك عاجلا.”
خرجت هذه المرأة الصابرة المحتسبة ولحقت بالجيش بعد أن لبست عدة الحرب ، ثم سألت:على أي باب قتل بعلي فقيل لها على باب توما والذي قتله هو صهر الملك وقاتلت مع الناس قتالا لم ير مثله وكانت أرمى الناس بالنبل ، وفي أحدى الجولات القتالية رأت فارسا من فرسان الروم يحمل على شرحبيل بن حسنة حملة شرسة فسألت عنه فقيل لها هذا صهر الملك وهو قاتل زوجك ، فأخذت سهما من كنانتها وشقت الصفوف بشجاعة منقطعة النظير وصوبته نحو عينه وقالت:
“بسم الله وبركة رسول الله صلى الله عليه وسلم”
ثم أطلقتها فأصابت عينه اليمنى فسكنت النبلة فيها فتقهقر إلى ورائه صارخا وهمت بأن ترميه بأخرى فتبادرت إليها الرجال وتبادر إليها قوم من المسلمين يحامون عنها ثم أخذت ترمي بالنبل وأصابت كثيرا من علوج الروم ووقع الصليب في أيدي المسلمين.وفي جولة أخرى من القتال قاتلت هذه المرأة المسلمة ببسالة منقطعة النظير ولما انتبه إليها علوج الروم احاطوا بها إحاطة السوار بالمعصم وأسروها،ولكنها استطاعت بفضل الله وتوفيقه أن تفر من الأسر واستمرت تقاتل وترمي بنبلها حتى فتح الله على المسلمين دمشق.
هذه هي أم أبان بنت عتبة بن ربيعة وهي نموذج للمرأة المسلمة المجاهدة والتي وقفت جنبا إلى جنب مع الرجال في معارك الروم نصرة لدين الله وطلبا لثأر زوجها ومؤازرة للمجاهدين في معاركهم مع الروم ، وقد كان في الجيش العديد من الصحابة رضوان الله عليهم ولم ينكر عليها أحد خروجها ولا قتالها ، وعندما وقعت في أسر الروم لم يقل أحد من المسلمين لماذا خرجت ولماذا عرضت نفسها لذلك ولم يشمت أحد بقوله أنها تستحق ما حدث لها.
وما زالت المرأة في عصرنا هذا – عصر الظلم والطغيان- تواصل العطاء في كل أنحاء العالم الإسلامي مربية للأبطال والمجاهدين ومشاركة بمالها ونفسها في الوقوف في وجه الظلم والطغيان,حين جبن الكثير من الرجال وآثروا الجلوس في البيوت مثل ربات الحجال وجبنوا عن النزول منازل الأبطال.
-
جهلان إسماعيلأبحث عن الحقيقة وأنشد الصواب في عالم اختلطت فيه أفكار البشر بهدايات السماء وظلمات الباطل بنور الحق.