وراء الكواليس
.....................
بقلم : أحمد خضر أبو إسماعيل
....................................
موعد مع الغيث الجميل ,منذ زمن والمدينة ترتدي أجمل الثياب بين حين وآخر عساها تغري عيون السحاب المتكبر الذي أغفل النظر إليها , منذ زمن والمدينة رغم مرارة الإنتظار رغم نهش الفساد في جنباتها كانت تبدو دائماً مثل عروس فاتها قطار الزواج مسرعاً , وشباب الغيث كان يفرض عليه غطرسة الفتوة ونرجسية الصبا فتراه يعبر فوق سمائها كما تمر سحب الصيف المنقضي منذ زمن .
لكن دائماً هي الغريزة مثل الفريضة تماماً كان لابد له أن يشاطرها الحب ليلة وأن ينهمر من برجه السماوي ليرسم قبلة فوق شفتيها المشققتين بفعل ملح الإنتظار فأقبل إليها في تلك الليلة حاله حال العاشق محطماً جميع الثغور وجميع الحواجز متدفقاً في أزقتها مثله مثل سرب حمام استطاع أن يغطي جميع ما علاه .
كان يقرع نوافذ الفقراء تارة وزجاج نوافذ الأغنياء المعشق تارة آخرى , جميلة كانت تلك القطرات التي خلفها فوق زجاج نافذته في غرفته القصية بعض الشيء عن زحام بني البشر في تلك الليلة كان يستمع إلى العابرات ليلاً من القطرت التي أعادته إلى طفولة ماكاد أن ينسها حين كان برفقة أقرنه يقرعون أبواب البيوت ويهربون .
على كل زجاج رسم الغيث الجميل لوحة أمتزجت مع إشراقة الشمس عندما أعلن الصباح بداية نهار جديد , حتى الهواء كان محملاً بعطر الغيث الذي مالبث أن عاد إلى برجه السماوي خشية عيون الشمس المتربصة به طوال الليلة الماضية في حجرتها .
من الغريب أن التناقض في الحياة يصل حد الجنون في المدينة مزاجية الطقس وعفوية الخطأ من المستحيل أن تحدق في المرآة إذا كنت أنت أمامها أما في الحياة فجمال الليل يمحوه النهار .
خرج من غرفته القصية ينقل النظر في شوارع المدينة اعتراه أغرب شعور في حياته أن يكون الغيث هو الخير المطلق لفئة من البشر وهو الشر المطلق لفئة آخرى ,
وراء كواليس الليلة الماضية :
هناك من تدثروا بأجساد أخوتهم في عراء الطريق دون أن تسمع لهم أنين يعكر صفو ليل المدينة وعشيقها المطر , وآخرون قادتهم سبل الموت إلى الحياة عبيداً
يشقون تحت عين شمس الصيف وتحت جنح ظلام ليلة مثل ليلة الأمس دون أن تسمع لشهيقم وزفيرهم نبساً ,وهناك خلف حدود المدينة في مكان ليس بعيد شعب استطاع العاشق أن يرمي بخيامهم وأن يزرع البرد داخل أفئدتهم حين انهمر من برجه السماوي استطاعت قطراته أن تمازج تراب المخيم ورغم جمال رائحة التراب بشاعة الوحل تقابلها بقسوة على أقدام أطفالهم العارية .
حتى الموسيقى التي كان سيفونية على زجاج النوافذ كانت نشاذاً ارتسم فوق الشوارع فترى الناس يتلقفون خطوات بعضهم البعض ليجتازوا بحيرات نسي العاشق أن يصطحبها معه حين عاد إلى برجه السماوي مسرعاً .
في بلادنا القريبة من الحياة بعض الشيء هناك من يذرف الدموع حزناً وهناك من يذرف الدموع ضحكاً علينا ,وتبقى اللوحة غير مكتملة هي جميلة لاشك في ذلك ,لكن هم من يرونها بالألوان الزاهية ونحن نراها بالأبيض والأسود ,لكنها جميلة لاشك في ذلك .
-
أحمد خضر أبو إسماعيلالكاتب أحمد خضر أبو إسماعيل من مواليد 26.3.1993 سورية .سلمية كاتب في القصة القصيرة