البـــــــــــــــــادئون: عاد وإرم ذات العماد
دراسة في القرائن التاريخية والأدلة الأثرية
نشر في 03 أكتوبر 2019 .
كُنت في العام الماضي قد أطلقتُ وعداً لقرائي الأعزاء بنشر دراسة كاملة ومتفردة عن تاريخ وحضارة قوم عاد، إلا أن بعض الظروف- التي لا مجال لشرحها- دفعتني بالفعل الى التخلي عن هذا المشروع، ثم أن مشيئة الرحمن كانت غالبة، وقضت بغير ذلك.
بشكل عام، تتضمن الدراسة حشداً لأغلب ما دونته الأقلام واستوعبته كتب ومؤلفات المؤرخين طوال القرن العشرين وحتى اليوم، بالإضافة الى استعراض موجز ومكثف لأهم النظريات التي حاولت تقديم تفسيرات تاريخية واستدلالات أثرية عن تاريخ قوم عاد الذين تفرَّد القرآن الكريم بذكرهِم، وكثرت من بعده الأخبار والأساطير عنهم.
**
أما الجديد في الدراسة، فيتمثل في أنها تقدم معالجات موضوعية ومنهجية، وتحليلات ومناقشات علمية دقيقة، للكثير من القرائن التاريخية والجغرافية والأنثروبولوجية واللغوية، والقليل مما توفر حتى الآن من الأدلة الأثرية، في محصلة حاول الباحث من خلالها أن يُعطي أُفقاً جاداً ورصيناً بجدوى البحث العلمي في تاريخ قوم عاد وحضارتهم الأولى، التي أقامت مراكزها في جنوب شرق الجزيرة العربية، وعلى طول ضفاف الخليج العربي وصولاً الى تخوم بلاد الرافدين، وربما كان لها نفوذ وتأثير على بلاد الشام، وصولاً الى مصر ومنها الى شرق وشمال أفريقيا، في اتجاه يهدف الى التأكيد على وثاقة العُرى واللحُمة، ووحدة المنبع والمنهل لكل حضارات الشرق الأدنى القديمة.
كل هذا بعد عقود طويلة ساد فيها الاعتقاد بأن أي تاريخ منسوب لقوم عاد، ليس إلا خبراً قرآنياً، محاطاً بكمّ هائل من الأساطير التي نسجتها خيالات الإخباريين العرب في العصور الوسطى، ومازال بعيداً عن دائرة الإثبات العلمي والأثري.
**
يحمل الخط العريض من عنوان الدراسة [البادئون] مفارقة دلالية مقصودة، تهدف الى تحطيم صفة "البائدون"، كصفة أُطلقت على قوم عاد في إطار ما اصطلح عليه بــ "العرب البائدة" من جهة، ومن جهة أخرى تهدف الى التأكيد على أن عاد وارم ذات العماد هما عنوان لحضارة- ربما سبقتها حضارات- ولدت ونمت وازدهرت، وحملت معها أسباب وعوامل اندثارها، شأنها في ذلك شأن كل الحضارات البشرية، وأن العقاب الإلهي لم يكن ليصل الى حد الإبادة الشاملة، بقدر ما كان عاملاً من مجموعة عوامل ساهمت في انهيار مراكز حضارة عاد واندثارها تحت الرمال؛ لتبدأ من بعدها مسيرة أخرى لحضارات طرفية وليدة وليست بجديدة في محيط ذلك المركز، وهي البداية التي ساهمت أيديولوجيا علماء التاريخ والآثار الغربيين في ترسيخ اعتبارها حداً فاصلاً بين التاريخ، وما قبل التاريخ.
-
فكري آل هيرمواطن لا أكثر ..