لم يعرف العالم حتي اليوم بناء ضخم ولا في الآثار أعظم وأفخم من قصر الزهراء وكان بناؤه في مدينة قرطبة وقد بني للناصر لدين الله الأموي وهو أول من تلقب بأمير الله المؤمنين ولم يكن قبل أحد من سلفه يتلقب بهذا أو يدعي الخلافة وإنما فعل ذلك لبدء انحلال الخلافة العباسية ووهنها وذلك في أوائل القرن الرابع للهجرة.

فأما قرطبة فكانت لذلك العهد أم المائن وقاعدة الأندلس وقرارة الملك ويقول بعد من وصف عمرانها لذلك العهد.

إن عدد شرطاتها أربعة آلاف وثلاثمائة وكانت عدة دور الرعايا والسواد بها الواجب علي أهلها المبيت في السور 113000 دار ما خلا دور الوزراء وأكابر الناس ووجوههم وذوي النعمة فيهم وعدد أرباضها 28 وعدد المساجد 3837.

وعدد الحمامات المبرزات للناس 700 حمام.

وفي أزهار الرياض في وصف هذا قصر الزهراء.

" لما بني الناصر قصر الزهراء المتناهي في الجلالة والفخامة اطبق الناس علي أنه لم يبن مثله في الإسلام البتة وما دخل إليه أحد قط من سائر البلاد النائية والنحل المختلفة من ملك وارد ورسول وافد وتاجر وجهبذ وفي هذه الطبقات تكون المعرفة والفطنة الإ وكلهم قطع أنه لم ير له بل لم يسمع به بل لم يتوهم كون مثله حتي أنه كان أعجب ما يؤمله القاطع إلي الأندلس في تلك العصور النظر إليه والتحدث عنه . والأخبار عن هذا تتسع جداَ والأدلة ولو لم يكن فيها الإ السطح الممرد المشرف علي الروضة المباهي بمجلس الذهب والقبة وعجائب ما تضمنه من إتقان الصنعة وفخام الهمة وحسن المستشرف وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون وذهب موضون وعمد كأنما أفرغت في القوالب ونقوش كالرياض وبرك عظيمة محكمة الصنعة وحياض وتماثيل عجيبة الأشخاص الأوهام إلي سبيل استقصاء التعبير عنها فسبحان الذي أقدر هذا المخلوق الضعيف علي إبداعها واختراعها من أجزاء الأرض المنحلة كما يري الغافلين عنه من عبادة مثالاً لما أعده لأهل السعادة في دار المقامة التي لا يتسلط عليها الفناء ولا تحتاج إلي الرم المنفر بالكرم".

ثم نقل عن المؤرخ ابن حيان صاحب الشرطة " إن مباني قصر الزهراء اشتملت علي أربعة آلاف سارية ما بين كبيرة وصغيرة وحاملة ومحمولة وما ينف علي ثلاثمائة زائدة " قال ابن حيان " ومنها ما أهداه صاحب القسطنطينية وان مصاريع أبوابها صغارها وكبارها كانت 15ألف باب وكلها ملبسة بالحديد والنحاس المموه والله أعلم أنها كانت من أهول ما بناه الانس واجله خطراً وأعظمه شأناً".

ونقل عن بعض المؤرخين أن عدد الفتيان الذين كانوا في هذا القصر 13750 فتي ودخالتهم من اللحم ما عدا من اللحم ما عدا أنواع الطيور والحوت 13ألف رطل".

ويؤخذ من مجموع الأقوال في مواد هذا البناء من أعمدة وغير ذلك أنها كان بعضها من أوربا وبعضها من أفريقية ومن كل مكان فيه خيار.

وقول ذلك الواصف" أنه لم يبن مثله في الإسلام " يفيد أنه لم يبن مثله في أمة من الأمم لأن المسلمين لذلك العصر كانوا يرون أن أنفسهم أعظم الأمم وأضخمها وأقواها وأشدها بأساً وأن المسلمين هم العلماء والفلاسفة الحكماء وأن غيرهم جهال أغبياء .

وفي الحق أنه لم يسمع بمثل هذا القصر لا قديماً ولا حديثاً فأنت تري أنه في سعته مدينة عظيمة فكأنما هذا القصر بني مدينة للخليفة الناصر.

وهؤلاء الفتيان الذين يقيمون في هذا القصر هم الحرس الخاص والحامية والجند.

والسبب في تشييد الملوك في الزمن الأول لمثل هذه الأبنية أنهم يرون فيها تخليد ذكرهم والإشارة إلي باذخ مجدهم وعظمتهم ثم كانت في زمنهم حصوناً لهم ومستقراً لحراسهم وحامياتهم وضرورة لاستيعاب مساكنهم ومن يخدمونهم ويعيشون في ظلهم وتحت جناحهم.

وقد ذكر الله في كتابه ما ينبئ عن سالفه عظمة العرب في البناء والفخامة فيه والضخامة وذلك في قوله عز وجل : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد"

وقد اهتدي المنقبون عن الآثار إلي ما يشير إلي عظمة العرب في ذلك وتقدمهم علي غيرهم.

المصدر: هدي الإسلام – الأردن (مج1 , ع4 ) 1956م

رابط: http://search.mandumah.com/Record/403210