زعموا أن قوما من خلق الله الغابرة اتخذوا شجرةًَ إلها لهم من دون الله الواحد القهار ، قال الراوي : فكانوا يقيمون لها عباداتهم وصلاتهم ويذبحون نذورهم ويتبركون بها لصغارهم ويعالجون بها مرضاهم وعقم نسائهم . ظلوا على ذلك ما شاء الله لهم أن يظلوا في طغيانهم وعمى أمورهم وبصيرتهم .

فنزل بالقرب منهم عابد ناسك زاهد ممن هجر الدنيا وزينتها وابتغى لذي العرش رضوانا ، فسأل عن وضعهم المريب . قالوا : هذه إلهنا وجدنا آباءنا يعبدونها ونحن على آثارهم سالكون ومتعبدون . قال العابد : الغداة إن شاء الله سأقطعها وأجمع أعوادها وأطبخ عليها عشائي ، وأجعلكم تتحسرون . قال القوم : شأنك وما تريد وإنما نحن قوم ضعاف ولو كنا أشداء لما عبدنا شجرة هرمة وجدنا آباءنا لها عاكفون .

اليوم التالي شد العابد مأزره وأخذ فأسه ومضى ميمما صوب الشجرة يريد قطعها والإستفادة من أعوادها لطبخ المندي والحنيذ وبعض قرصان الخبز الصحي اللذيذ الغني بالألياف بدلا من الخبز الآلي الذي أصاب أمعاءنا بالتلبك وعقولنا بالتبلد . وفيما هو يقطع الطريق إلى الشجرة برز له بين الطرقات رجل شديد لاتخطئه العين فهو أبو مرة وفي روايات إبليس اللعين . قال إبليس: أين تمضي ، أيها العابد الناسك المحترم ؟ قال العابد : سأقطع هذه الشجرة الملعونة التي فتنت هؤلاء البشر . استغرب إبليس : وش دخلك ، أنت ووجهك ، ما دام هم راضين بوضعهم ، أيش اللي حشر أمك في الموضوع ؟ . رد العابد : هذه رسالتي من أجل الإله الواحد الأحد الفرد الصمد ، أن لا يعبد سواه ، وما دمت قادرا ، ما الذي يمنعني من أداء مهمتي ؟ قال أبليس : أنا أمنعك بقوتي وشيطنتي التي أخرجت أبويك من الجنة . قال العابد ، في حقيقة الأمر لم يقل شيئا وإنما هجم على الشيطان ودار بينهما صراع مرير هو صراع الحق والباطل منذ أن فطر الله السموات والأرض واستمرا ساعة من الزمان ، فأخذ العابد يجلد إبليس جلدا مبرحا حتى أوشك أن يعض الأرض ( إبليس التعيس ) ، وكانت الشمس تؤذن بالغروب وأقعى إبليس كئيبا محزونا . وأيضا العابد شعر بإرهاق وعاد إلى كوخه واعدا إبليس بالغد أنه سيكمل المهمة .

في اليوم التالي خرج العابد وهو أكثر تصميما فتعرض له إبليس في الطريق وأيضا جلده العابد جلدا لم تأكله الحمير في زفاف أمهاتها ، وهكذا حتى اليوم الثالث عندما أجهز العابد على الشيطان ومضى للشجرة ، فأمسك إبليس بثوبه متضرعا وقال : هل لك أن تسمع مني أيها الرجل الشديد الأيد ؟ ما رأيك بأن أهب لك كل يوم دينار ذهبا على أن تترك الشجرة لهؤلاء المساكين . فكر العابد ، لابأس , في حفنة من الدولارات نشتري لأحمد سيارة ونؤمن لنا سكنا في المدينة ونزوج حمدة من إبن عمها ومن ثم نعود لقطع الشجرة . بمعنى خطة على مراحل .

عاد العابد الناسك إلى كوخه وفي الصباح وجد دينارا ذهبيا عند بابه وهكذا استمر أشهرا وهو يجمع من الدنانير الذهبية التي يدفع بها أبو مرة من تحت عقب الباب . وفي يوم لم يجد الدينار الذهبي . بحث يمين يسار لكنه لم يجد شيئا ، طبعا لايوجد داع لأقول بأنه اتصل عدة مرات بالحوال الخاص بأبي مرة ولكن الخط كان يعطي خدمة موجود أو مشغول أو لايرد .

جهز العابد فأسه وقال : سأمضي في الغد لأقطع هذه الشجرة التي فتنت الناس عن ربها .

في الصباح ومع شروق الشمس وقبل أن تقول العصافير زو زو زو , وقبل أن تقول الكلاب هو هو هو مضى العابد الناسك متأبطا فأسه , وعرض له في الطريق رجل معروف بسيماه هو أبو مرة ، وقال : أين تمضي أيها العابد الناسك ؟ وكالعادة قال العابد : سأقطع الشجرة التي صرفت العباد عن عبدة رب العباد . قال إبليس : خذ يابن الكلب يعني هيهات ... هيهات . قال العابد : من يجرؤ ليمنعني ؟ قال إبليس : أنا محسوبك أبو العبد . \ار صراع لم يستمر طويلا وإنما استخدم به إبليس كل فنون الملاكمة والجوجيستو والكاراتية ، وجُلد العابد جلدا لم يأكله كلب مواطن مع كلاب برية وغريبة ، حتى خرجت سعبولته من فمه وأشياء أخرى وتمدد وله لهاث ورغاء ووصيص وخرج لسانه متدليا من فكه واستجمع أنفاسه ، وقال : ما الذي حدث ؟ كيف هزمتني بهذه السهولة . قال إبليس : ياحمار أنا الفترة التي مضت دخلت نادي وتدربت ، لا ، لا وإنا قال : ياحمار حينما كانت نيتك من أجل الله هزمتني وجعلتني آكل من .... . ولكن حين صارت نيتك تتمحور حول الدينار الذهبي أفشل الله ريحك وقوتك . وإن رأيتك قريبا من هنا لأبرحك ضربا حتى تقول للمعزى يا خالة .

مضى العابد وقوض كوخه وفر هاربا ، وقيل لم ير بعد ذلك إلا في بعض البلدان العربية في العصور الحديثة .