منخورا حد البهجة... سعيدا حد المهزلة... - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

منخورا حد البهجة... سعيدا حد المهزلة...

خاطرة أدبية

  نشر في 16 ماي 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

منخورا حد البهجة... سعيدا حد المهزلة...

آل الأفق إلى لون النحاس المصهور. قرص الشمس المعدني، ينزلق ببلادة نحو قمم الجبال البلهاء، الجاثمة على أرض الوطن، محاصرة بالبحر. لا تتزحزح بكبرياء الشموخ. طيور "عوا" تنعق زاهية بقدوم فصل الصيف. بعيدا عن تفاهة الشواهد والتحصيل... مخططا لمستقبلي الخالي من الحب والعمل...

شرود يرقب في الظلمة شبح الصخور العملاقة. يجهد في تحديد تشكيلاتها على بياض الموج، والصخور تقف، في حرص، صادة عماء الموج، بعض النوارس مازال يقظا، فوق رأسي ينعق. أعمدة الكون على وشك التهاوي على جمجمتي. تجاهلت الفكرة مستسلما للحظة، كـُنا من قبل، قد شربنا في الحانة ما يسمح لنا بمقاومة رطوبة المساء الصيفي القادم في غنج ودلال...

يدي اليمنى تطوق ظهرها وتنحني لتتربّص فوق طراوة النهد المشدود كالطلقة في قلب المسدس القدر، الموت. وقفنا طويلا. تكلمنا بلا انقطاع. كانت تستسلم ليدي، تكسبني، بلا هوادة، أردافها المعطاء. كلما ودعتها بقبلة عادت لتبدأ من جديد كلاما بلا منتهى...

المشهد بلا رتابة. جاءت ساعة الشد. القبلة الموتوقة، المفخخة، الشفة على الشفة والساق على الساق، ملتفة عند ناصية الشارع. تماما عبد باب الغروب. أطلـِقها مذهولة. دائخة. منهكة. منفوشة الشعر. حمامة... وميض لعابها شهد عسل على شفتي...

استسلمت لها وهي تسند رأسها على صدري. تمسك يدي. تقبلها، لأول مرة، تقبل امرأة يد عاشقها في تاريخ ذاكرة أفكاري... قبلتني، هاجمتني. موجة هائجة تغرقني في بحر الشوق. قبلتها بسغب، أمام غـِلـْسِ الشمس، أمام البحر... تجاهلت نفسي على شط الرمل...

في لوحة عميقة الغور، والإحساس المفرط من الرومانسية... الصخور تحرسنا. الطيور... السحب البيضاء العابرة... أدم فيّ: يحتال على التفاحة... يأكلها، يقضمها...

أثوابنا ابتلت برذاذ نثيب البحر... زبد الأمواج يلاحقنا... تراجعنا بخطوات ملونة... متعانقين... متلاحمين... ملتصقين... ما في الجبة غيرنا... ما أسخى الأثواب الهفيفة... لم أكف عن استرجاع ثنورتها الصيفية، المفتوحة بكرم، الكاشفة عن نهدين شهيين...

جلست ملبد الإدراك. هل أعود إلى "البرتوش" أم الفندق؟. حواء المقصوفة صامدة. مدمرة... مسالمة... ثائرة... والليل يدق عليّ الأبواب الصماء... انخلع قلبي برجة الآذان... حي على الصلاة... حي على النوم... الجوع يسحقني... كنت منخورا حد البهجة... كنت سعيدا حد المهزلة...

لم أشعر يوما بالخوف يحاصرني، كما الآن، والغربة تسحقني، كنت أواجه ذالك بالاحتماء بهذه الأنثى وبحرارتها. قوْقأت كفرخ دجاج، أدشن ليلة متخمة بالرعب. لولا أنها كانت تطوقني بذراعيها، وتـَلـْعـَجـُني بأنفاس زفيرها اللاهث، لجـَرّبت أن أطير من الذعر. كان الزمن قد توقف لدي، ومع ذالك ظل يوسوسني في وجل، ما أنتظره من هذه الأنثى المنشغلة في جسدي بإرضاء أنوثتها، ومع ذلك فضلت أن أترك خيالي مجمدا، كيلا أرهق نفسي بتصور أمور قد لا تحدث...

كنت سعيدا بهذا السخاء، بذالك الجموح، وهي تستسلم لي بوداعة. تبيح، عن قرب، جسدها في إثارة واضحة، تطقطق علكة بنكهة فيها غواية. بإمكاني رؤية الزغب الحميمي تحت إبطها، حول حملتيها، فوق سرتها. أن أتمتع بالنظر إلى ظهرها المقبب وبطنها المصقول من مرمر إلهي. كان لي كل الوقت، في مأمن مؤقت من أصحاب الوقت...

دارت بي الأرض، خضت أمعائي، انبعجت، تقطعت، وأنا أتلقى موافقتها... أشعلنا نيران حرب الحب. ناولتني مفاتيح ممالكها، أيقنت أني ألج متاهة، يجذبني القاع إلى نداء شيطاني... رُحت أتقدم في الجبهة كجندي غر... مع كل خطوة أخطوها، رغم ضيق المشهد والفرصة... كانت حظوظي تقترب في النجاة من العدم. وما أن انتفض هرم صدرها الخرافي حتى ارتعدت في أحضانها...

كانت بحرا مزبدا يدعوني إلى الغرق. لامست أناملي كتفها الممتلئ المستفز. أدركت أني تجاوزت المباح إلى الممنوع، والأمان إلى الخطر. سرحت بأيدي بألفة فوق جسد معطاء، سرت في الشرايين لسعة تيار صاعق. ساعتها اقتنعت بأني ممعن في خسارة الجولات، جولة... جولة، دون أن ألعبها... لم تقل لي، وأنا أغزو أدغالها، "لا تخف"، بيد أني أحسست في حناياها بأمان الموت وهدوئه، وكعادة الموتى المطمئنين سرحت بخيالي معتصرا حلاوة لذاته، جرعة، جرعة... إلى أن اتسخ سروالي بسائل لزج أبيض...

سعيد تيركيت

الرباط - المغرب - 15 / 05 / 2015 



   نشر في 16 ماي 2015  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا