أنا لستُ أُم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أنا لستُ أُم

  نشر في 06 يونيو 2020 .

"لكلِّ داءٍ لهُ دواء يستطبّ به ،إلا الجهالة أعيَت مَن يُداويها"

أنا لستُ أُم ، لكنني إنسان ، مِن قلبي و إلى جميع الأهالي الذين يعتقدون بأن التربية تقتصر على تقديم الماديّات للأبناء و الحفاظ على نظام صارم يتّبعونه في المنزل أو طعام معين يأكلونه أو طريقة اللباس و التصرف و غيره من أشياء سطحية ، هذه ليست تربية و إنما رعاية تُوفّر لهم احتياجاتهم الشخصية و التي تستطيع أي مربية أو مُربّي القيام بها و لكن التربية هي الوسيلة التي يتشارك بها الأم و الأب معاً لتكوين شخصية الطفل -و بعض من ذلك مُكتَسب من محيطه و مجتمعه- بحيث تكون شخصيته قوية و سليمة و مستقلة و يكون قادراً على أن يتّخذ قراراته بنفسه و يدرك الصواب من الخطأ حين يكبُر ، هذه التربية فيما بعد ستعكس شخصية الطفل و طريقة تفكيره و اسلوب حياته و كلامه و دوره في المجتمع و ثقته بنفسه و شغفه في تنمية مواهبه و اللحاق بأهدافه التي تخصّه لا التي تخصّكم و أشياء كثيرة أخرى لا تُعد ولا تُحصى ، و سيكون الجزء الأكبر المسؤول عن كل ذلك هما الوالدان لذلك قبل أن تختاروا شُركاء حياتكم تأكدّوا ما إن كنتم واعيون بما يكفي للواقع و ما يتطلّبه لعيشه بصورة صحيحة ، مِن هنا لا تُعوّدوا أطفالكم على التردد و الخوف و التوتر و العادات السلبية ، لا تجعلوا منهم أفراد يكرهون الحياة و يخشون التعامل مع غيرهم من محيطهم كونوا لهم قدوة في المحبّة و دعوها تتمثَل أمام أعينهم كزوجَيْن مُحبَّيْن للودّ بينهم فهذا الاصلُ وليسَ العيب، ثقِّفوهم بكل شيء و علّموهم الجُرأة بأدب و كيف يحافظون على مشاعرهم و مشاعر الآخرين و علمّوهم على الصدق لا الكذب لأنهم سيكذبون حتماً حين تقابلون صدقهم بالعقاب أو العنُف ، لا تصنعوا منهم أشخاص تعيسون و عاجزون عن كل شيء حتى التعبير عن أنفسهم ولا تسرقوا منهم سعادتهم و حقوقهم و أمنياتهم و أحلامهم و لا تُفرّقوا بينهم أو تُميّزوا بينهم سواء على حسب الجنس أو الأفضلية ، لا تقاطعوهم أثناء حديثهم معكم فهم يحاولون بكل ما يملكون من ثقة و محبّة أن يُعبِّرون عمّا يجول في وجدانهم لكم لذا لا تقابلوا ذلك بالغضب أو الرفض أو التقليل من الشأن فهم بالنهاية قَدِموا للحياةِ بخياركم و رغبتكم ..

لا تخلقوا أجواء مشحونة و متوترة في البيتِ طوال النهار فذلك لن يُكسبهم شيء سوى العزلة و انعدام الأمان و القلق النفسي و أكثر بكثير ، و إن كنتم تعتقدون بأنهم لا يشعرون حتّى في أنفاسكم فأنتم مُخطئون بل يشعرون بكل شيء و يدركون كل ما يحصل حولهم و بينكم و يتأثرون بذلك جداً و قد تجعلوا منهم أفراد لا يخرجون من غُرَف نومهم ليشاركوكم أي شيء حتى الطّعام ،سيكرهون الحديث معكم و جلساتكم العائلية و أوامركم التحكُّميّة ، لذا لا تأخذوهم إلى منطقة في التفكير مغلقة تماماً و محدودة و سوداء ولا تُعسّروا عليهم الطريق و تغلقوا السُبُل في وجوههم ، دعوهم يفكرّون بمفردهم و يخبرونكم بما توصلّوا إليه دون شعورهم بالخوف منكم بل بالثقة و الأمان و دعوهم يُبدعون و يبتكرون حتّى و إن كان في ذلك بعض الخسائر الطفيفة التي لا تُذكَر ،فإنّ أعظم مُربّي للإنسان هي نفسه فلا تحرموهم من هذه الفطرة و الطبيعة لأن المطاف سينتهي بكم بمأساةٍ تتجسد في عجز أطفالكم عن إدراك هويّتهم و معتقداتهم الخاصّة و هواياتهم و أكثر بكثير و التي تُعتبَر المُكوّن الأساسي لكيانهم و وجودهم . .

أرجوكم ، لا تُهدِّدوهم بل شجِّعوهم فلا معنى للعقاب بوجود النقاش و التفاهم و لا تأذوهم بأي شكلٍ من الأشكال بل انصحوهم و حادثوهم بالمنطق و اشعروا بهم و بما يُحزنهم و دعوهم يخوضون التجربة و يتعلّمون منها و تقبّلوا إختلافهم و برِّروا لهم سبب رفضكم للأشياء كونكم أنجبتوهم لا يعني أنّ لكم الحق في أن ترفضوا أفكارهم بلا سبب فهم بالنهاية سيمشون بالحياةِ فُرادا لوحدهم لا أقل من أن تزرعوا فيهم تلك القوة النفسية التي تسمح لهم بالإستمرارية دونكم و لا يحتاجون أحد فيما بعد للصمود في حياتهم ،لا تكسروهم بل اجبروهم ، ذكرّوهم ولا تُجبروهم على شيء بأن الدنيا لها آخرة حتماً و إصنعوا منهم أشخاص غير قابلون للكسر و مستعدّون لأي شيء حتّى الموت براحة راضياً الله عنهم و راضيين عن أنفسهم و أخبروهم أنّ الحياة و الدِين ليسا مُنفصليْن عن بعضهما و إنّما يحتاجان شخص صادق مع نفسه قبل الآخرون و عقل مرن و قلب نقي و روح سليمة من كل مرض و علّموهم أن السعادة ليس بالضرورة أن تكتمل لكن بالمقابل الحُزن لا يستمر و أن التغيير هو الشيء الواحد الثابت في الحياة فلا شيء يبقى على حاله و درّبوهم كيف يَحمون أنفسهم من شر أنفسهم و شر العالم و كيفَ يركبونَ الأمواج و يواجهون المُنحدرات و يصبرونَ في الشدائد بينما يعملون على التخلّص منها و ازرعوا في نفوسهم أن عزّة النفس محمودة و الكِبْر مذموم و شتّان ما بينهما و أن التواضع مطلوب و تقدير الذات لا بُدّ منه ليدفع بهم نحو الأفضل و الكَرَم من طَبْعِ غنيُّ النفس و أن المال يأتي و يذهب و لكن الأخلاق و المبادئ تَبقى أو تَنعدم و علّموهم أن المشي بقرب الحائط ضعفٌ و ذُلْ بل الشجاعة في مواجهة الوسط و انهزام الخوف ، لا تُشوِّهوا صورتهم عن أنفسهم فهي التي ستقود كل حياتهم و بالتالي آخرتهم ،ربّوا أفراداً واعية ذات ضمير مُتيَقّظ تعرف كيف توازن بين العقل و القلب، فاصنعوا من أطفالكم أحراراً لا عبيداً ..

كونوا النور لأولادكم لا الظلمة..

كونوا الأمل لا الخيبة..

كونوا العدل لا الظُلْم..

كونوا الملجأ لا الخطر..

كونوا الحُب لا الكراهية..

كونوا الأصدقاء لا فقط الوالدان ...

كونوا المُكافأة لا العقاب..

كونوا "الأهل" أيْ أهلٌ لذلك و إلا فلا تُنجبوا نُسَخ مُكرّرة و تزيدوا في عدد سلاسل الأجيال التالفة و البائسة التي تكره الحياة و ما بعدها .

~ بالنهاية ، لا أقول أن كل ذلك أمرٌ سهل و لكنّه ممكن جداً ما إن امتلكَ الوالدان الرغبة بذلك عن اقتناع و فهم تام لما يحدُث و القدرة على ذلك و تحمّل المسؤولية كما يجب دون أن يشعروا بأنها واجب عليهم ، بل يَفعلوها و يُحبّوها حتى يتقنوها.

و لا ننسى لزوم وجود الحُب و الطمأنينة بين الزوجين لتحقيق ذلك، بقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾


  • 6

  • Mais Soulias
    الكتابة ليست مجرد ورقة وقلم , إنما حوار بين الإحساس والصمت ، أكتب لأنني أشعر، لأنني.. أريد أن أحيا لا أن أنجو❤
   نشر في 06 يونيو 2020 .

التعليقات

مقال جميل و نداء راقي.
تحياتي لك
2
Mais Soulias
أشكرك و أُقدّر فكرك النّير❤
Dallash منذ 4 سنة
احسنت ...اصبت فعلا
1
Mais Soulias
شكراً❤
Dallash
العفو

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا