وحش، صغير الحجم، يجلس على كتفك، ينظر للعالم من زاويتك أنت، و يلتفت مرات عديدة ليرى كل شيء لا تراه عيناك ... أنتما في نفس الرحلة لسنوات ... يعرف عنك الكثير بينما أنت تنسى/تتناسى وجوده من الأساس.
كان كائنا بريئا و هزيلا حين كنتما صغارا. لذا تركته حرا طليقا يلهو و يقفز من كتف لآخر... ظننته مجرد طفل فضولي لا يعرف شيئا و يسأل عن كل شيء، عطشان لمعرفة كل شيء.
آه ... لحظة، ألم أقل لك أنه يمتلك نقطة قوة تجعله الأقرب إليك؟... إنه يمتلك ثقتك العمياء، و يستطيع أن يهمس في أذنيك كل يوم و في كل ثانية ... حتى أنه يستطيع التسلل لأحلامك أثناء نومك.
كانت أسئلته كثيرة، تارة تجيبها و تارة تعده بأنك ستفعل...
علمك الكثير و لا زال يفعل.
و لكن الوحش يبقى وحشا ...
ذات يوم، تغير نمط تساؤلاته فأصبحت متكررة و ملحة ... و كأنها تستميت للحصول على كل انتباهك، فصارت مزعجة و من الصعب تجاهلها.
لم تعد الأسئلة تمضي هكذا مرور الكرام، بل صارت تستوقفك طويلا ... و في كل مرة ساورك الشك ازدادت ثقته و تعالى كبرياءه، و شيئا فشيئا تصير ملامحه أكثر خبثا.
لا زال قزما ... لكن مساحة سيطرته على أفكارك صارت أكبر من تلك التي لديك.
تبتدئ أسئلته كلها ب:"ماذا لو...؟"، "ماذا سيحدث لو ...؟" و تنتهي ب:"ماذا لو اتخذت القرار الخطأ؟".
تبدو أسئلة منطقية و مشروعة ... لا تقبل أجوبة عادية، و لا تؤمن بالصيغ المتعارف عليها ... و إن أردت الإجابة، عليك أن تكون جاهزا و محصنا !! لكن، كيف يمكنك أن تكون كذلك إن كنت قد اُستُنزفت بالفعل من الداخل و من الخارج ...؟
في كل مرة، يمتص كل طاقتك، و يقتات أجزاءا من جسدك و عقلك، و ما إن تهم بإجابة ليست شافية - عبثا لتجعله أخرسا-، تمتد يديه لعنقك ليغرس أظافره في صدرك، يخنق أنفاسك، يكبل يديك و يثبت قدميك بإحكام ... لقد أصبحت الفريسة.
و مع مرور الوقت تصبح الأسئلة أوامرا و تهديدات ... و يهمس في أذنك بكل وقاحة : "لن أتركك ما دمت لن تخضع لي" ... تسأله ما الذي يريده تحديدا منك، فلا تلقى سوى التجاهل كرد على أسئلتك.
و بينما يصفق لك الجميع، يهمس في أذنك أنك صغير نكرة لا تستحق كل هذا الصخب من صفيق الأيادي... يخبرك أنك لست كافيا و أنك لست أهلا للثقة ...
وحش قزم، تركته يتدخل في كل تفاصيل حياتك ... و يحولها لجحيم حقيقي تعيشه بشكل شبه يومي ... لا يغيب أبدا، مواظب على عاداته بشكل استثنائي ليجعلك مهملا بشكل استثنائي ... و أحيانا يحضر أصدقاءه ليتسلى ... فتصبح الأيام و الأسابيع و الأشهر كوابيسا.
فهل الوحش الذي على كتفي يشبه الوحش الذي على كتفك؟ هل قلقي يشبه قلقك؟
-
Ikram Fiالكتابة عالمي الذي لا يعلمه و لا يطلع عليه أحد ممن حولي، هنا حيث لا يعرفني أحد ، هنا حيث أختبئ ، ; هنا حيث أنا أتواجد .... الكتابة ليست بالنسبة لي سوى منفذ بعدما ساقني الكثير للتخلي عن الكثير... ما أكتبه قد يعكس أفكاري ، قد يفص ...