ما زلت اتذكر ذلك المشهد جيدا فقد شيدته اصنام من حجر في ذاكرتي الفتية ,تظهر تلك اللقطة في عقلي المشوش كما لو كنت اشاهد فيلما وحيدة في قاعة مظلمة .كنت اقف عند باب المطبخ مرتدية وزرتي الطويلة ,كنت في السنة الاولى اعدادي حينها .على الجانب الاخر تطل غرفة مضيئة بلا نوافذ ,و هناك رجل اسمر قوي البنية شيئا ما يضب حقائبه , اجل انه ابي كنت اتامله يضع بذلته العسكرية داخل الحقيبة و عيناي تعتصران نهرا من الدموع ,تطلعت الى والدتي في المطبخ تعبا انواعا من الاكل في صناديق ورقية ,احسست حينها كما لو انها تزود محاربا بالمؤونة اللازمة ,لم اتجرا على سؤاله كان يبدو بعيدا, بعيدا جدا الا ان اختي ذات الثمانية سنوات تقدمت نحوه و سالته بلهجة حذرة 'بابا فين غادي' (ابي الى اين انت ذاهب) فاجاب هو بعد صمت طال حتى اعتقدته لن يجيبها ' غادي يسيفطو باباك لواحد البلاصة بعيدة سميتها الصحراء'(سيرسلون والدك الى مكان بعيد يسمى بالصحراء) رات اختي ان تلتزم الصمت بعدا فراحت تجري الى المطبخ اما انا فترسخت لدي فكرة واحدة : ان الصحراء مكان بعيد فهل ينتمي الينا ? .لم احضر مراسم الوداع الحزينة و لم اذرف دموعي على صدر والدي فقد غادرت يومها الى المدرسة على الساعة الثانية و كنت شاكرة لله انني لن اتواجد هناك.
بعد عودتي مساءا سالت والدتي:'اين ابي' لتجيب هي'لقد غادر' .هكذا ,بهذه السرعة! بهذه البساطة! وجدت نفسي ارتمي في الغرفة التي غادرها و ابكي كما لم ابكي من قبل و لا من بعد .
لم اشعر حينها اني فقدت ابي, شعرت اني فقدت شيئا اكبر من ذلك بكثير, فقدت وطني ! .منذ رحيله اصبحت لاجئة في وطن املك جنسيته, وطن يعرفني بكومة من الاوراق ,كائن خرافي انتمي اليه و لا ينتمي الي, وطن سلبني ابي و ابى ان يتبناني!
هكذا نعيش في وطننا, نستنشق هواءه و اذرعه تخنق رقابنا ,نتطلع الى سماءه و اقدامنا مكبلة ,نحلم به فيظهر شبحا في كوابيسنا.
وطننا لا يعرفنا, و وعندما يمتلا كتاب سيئاته يقصدنا لنبيعه صك غفران و الثمن ! وعد بغد افضل ابى ان ياتي و لن ياتي, فالغد الافضل يوم نموت خارج حدوده.
-
بشرىالاسم : بشرى السن : 23 سنة العمل : مهندسة
التعليقات
اليقين بالله أن الغد القادم أفضل .سيكن أفضل
وأن طال السئم و، وكثر العذاب ..
ستتبدد الظليمات ويحل النور ..وسيضحك لنا الفرح
بأوطاننا وهي تصدح بأشعة شمسها بكبرياء ..
شكرا لك ولرائعتك ..