اسمحو لي أن أبدء مقالي بطرح السؤال التالي -ماهي أبعاد التجربة الباطنية للإنسان المسلم في ميادين الفنون التي أضحت بمثابة الضوء أو الظل الذي يجسم المشاعر ,و هي الألوان التي تميز كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية و تطبعه بطابع خاص و هي الأرضية التي يقوم عليها الوجود الإجتماعي و الحضاري بصورة عامة .
انها قضية أخرى في ثقافتنا الاسلامية المعاصرة تفرض وجودها على الباحثين,لأننا كثيرا ما نصطدم بشبهات تدور حول هذه العناصر و مثال ذلك يقال بأن الإسلام لا يساعد على نمو التعبير الفني على إختلاف أشكاله في حريه تكفل له الاستفادة من تجارب الآخرين ,و الحقيقة أناالإسلام لم يقف يوما ضد الأشكال لا في ميدان الحكم و الإدارة و لا في ميدان الإقتصاد و الإجتماع و لا في ميدان الآداب و الفنون بل هو على العكس من ذلك فهو يعتبر ان الأشكال قضية دينامكية لا تستقر على حال واحد و لا تقف عند حد إلا لتتجاوزه الى حدود أخرى و من حق المجتمع الإسلامي بل من واجبه و من واجب كل مجتمع واعي ينشد الفضيلة أن يقاوم كل ما يتستر وراء الفن من ظلال و شذوذ و ما يثير غريزة الجنس و يغري بالتفسخ ,ولكن ليس من حقه أن يصادر الفن الرفيع الذي يكشف عن وجدان الإنسان و أحاسيسه الذاتية بمختلف وسائل التعبير الهادفة .
و الجمال في الفن لا ينبع من الإتقان و الجودة فحسب بل ينبغي أن يكون أخلاقيا و من أجل هذا كان الفن الرفيع مثل الدين قائما على قواعد الأخلاق الرفيعة,فالفن الراقي ليس ذلك الذي يثير قي النفس أحر المشاعر و أعنفها و لكنه ذلك الذي يثير فيها أكرم المشاعر و أنبلها ,وهنا نؤكد الصلة المستقيمة بين الدين و الفن فنخدم الدين حين نستخدم وسائل الفن و ظرائفه في نشر التعاليم الروحية و المبادئ الأخلاقية و الإتجاهات السامية و نخدم الفن بأن نرتفع به إلى المستوى الذي يتعالى على الخلط و سوء الإستغلال فيكون ذلك تكريما للفن .
ومن هنا كان الفن في أكمل صورة معبرا عن أعمق تجارب الإنسان ,إنهما يلتقيان في اللحظة التي تستغرق المؤمن و هو يذوب حبا في الله و إعجاب بما أبدع في كونه من أيات الجمال .
ولو نظرنا إلى حقيقة الثقافة الإسلامية لوجدنا أن الدعوة إلى الإيمان مقترنة بالدعوة الى العلم,
و الدعوة الى العبادة مقترنة بالدعوة الى العمل ,و الدعوة الى الفكر و التأمل مقترنة بالدعوة الى تنمية الروح و الوجدان و الدعوة الى الغاية مقترنة بالنظر إلى الوسيلة ,فعنصر التوازن في الإسلام أصيل لأنه يقدم تعاليمه كلها على أساس توازن بين القيم المادية و الروحية ليساهم المسلم في الحضارة الانسانية حسب قابليته و في شتى الميادين .
-
رافع باعمرلسانس علوم سياسية ، ولسانس حقوق