بقلم أ.د.عادل رشاد

يكاد التوكل في حياة الناس يكون مجرد عبارات يرددها بعضهم دون أن يدرك معناها أو آثارها في حياتهم ، وقد تختلط عندهم بالتواكل الذي يعني إهمال الأخذ بالأسباب الممكنة .

التوكل ثقة بالله تعالى كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما ، تمنح المؤمن قوة إلى قوته في مواجهة تحديات حياته ورسالته ، وهو معنى نحتاج أن نعيشه كلما خرجنا من دارنا أو أوينا إلى مضاجعنا :

في سنن أبى داود عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ» أخرجه أبو داود (٥٠٩٥)

وعن البراء بن عازب رضي اللّه عنهما أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الّذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهنّ آخر ما تتكلم به» أخرجه البخاري (٢٤٧)، ومسلم (٢٧١٠).

والتوكل الحق هو ما يتآزر فيه عمل القلب مع عمل الجوارح ، الحديث ففي سنن الترمذي وابن ماجة: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا» أخرجه الترمذي (٢٣٤٤).

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟ -لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل» صحيح الترمذي ٢٥١٧.

وعندما رأى عمر بن الخطاب ناقة جرباء فسئل صاحبها.. ألا تعالجها؟ فقال "أني أدعو الله أن يشفيها" فقال له عمر " ألا جعلت مع الدعاء قطرانا ؟" أي دواء.

وقال سهل التستري: "من طعن في الحركة – يعني في السعي والكسب – فقد طعن في السنة، ومن طعن في التوكل، فقد طعن في الإيمان، فالتوكل حال النبي – صلى الله عليه وسلم -، والكسب سنته، فمن عمل على حاله، فلا يتركن سنته ".

والتوكل يكون في كافة شئون حياتنا ، وأعظم التوكل ما كان في دعوة الناس إلى الخير ، قال ابن القيم -رحمه الله- وهو يتحدث عن همم الصحابة -رضي الله عنهم- في التوكل: "فحال النبي -صلى الله عليه وسلم- وحال أصحابه محكّ الأحوال وميزانها، بها يُعلم صحيحها من سقيمها، فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم مَن بَعدهم، فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب، وأن يُعبد الله في جميع البلاد، وأن يوحِّده جميع العباد، وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد، فَمَلئوا بذلك التوكل القلوب هدىً وإيماناً".

وستجد آثار التوكل على قدر صدقه وذلك في نصرة الله لك في الوقت الذي تقدره حكمته ، كما قال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 160].

{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [سورة الطلاق :3 ]

فلنردد دائما (حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم)