العزوف عن التفاصيل: فن، وموهبة ..
هل نحن أنفسنا؟ أم نحن كما يظن بنا غيرنا؟
نشر في 14 أكتوبر 2020 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
سُئلت في إحدى المرات، عن استجابتي الأولى عند سماع كلمات الانتقاد، كيف أتأثر بها وأتجاوب معها؟ أجبتُ على الفور وبدون تردد بأنني شديدة التأثر بكل كلمة وكل نظرة وإيماءة، بل وأتأثر بنبرة الصوت والتلميحات التي قد أتوهمها، وقد تكون بلا أساس من الصحة، أجبتُ بعفوية وبلا تفكير لأنها حقيقتي فعلاً، تلك أنا على حقيقتها، شديدة الحساسية تجاه كل شيء وأي شيء، جلستُ مع نفسي بعدها طويلاً وأخذتُ أتأمل وأسأل نفسي، هل تستحق الحياة منا كل ذلك القلق، هل فعلاً أنا موجز وملخص ما يظنه غيري عنّي؟ هل تستحق كلمة انتقاد كل تلك الحساسية؟ أخذتُ أتأمل مواقف ومواقف مررتُ بها، لحظات كانت فارقة في علاقاتي بأناس كثُر من حولي، كانت سبباً في ضيق يتملكني، أو فجوة بيني وبينهم، وربما إنهاء صداقة، فقط لأنني صُدمتُ من كلمة لم أتوقعها، أو تصرُف عفوي، بمرور الأيام أدركتُ أنه تصرف بريء لم يُقصد منه إغضابي..
حساسية مفرطة، تفكيرٌ زائد، حسابات لا جدوى منها ولا تفعل شيء سوى إرباكي، مراجعة للنفس قاتلة، هؤلاء الأشخاص أصحاب الحساسية المفرطة، ربما هم أنقياء، لا جدال في ذلك -وأنا لا أقصد بذلك مديحاً- هم أنقياء ولكنهم تعساء حقاً..
عليهم أن يعلموا خطورة أن يشعروا بالقلق تجاه كيف يراهم غيرهم، وخطورة أن يتوهموا أنهم مَن يخبرهم غيرهم عن أنفسهم، يجب ألا يستمدوا ثقتهم بأنفسهم من كلمات ثناء، ولا يؤثر انتقاد في قدرتهم على العطاء والمواصلة، وأن يرفقوا بأنفسهم فلا يسمحوا لكلمة أو نظرة أن تنال من قدرتهم على الاستمرار.
الحياة شاقة بقدر الكفاية، ولا يجب أن نحمِّل أنفسنا أكثر مما نحتمِل، ولا يجب أن نصبح كذلك مصدر ضغط مستمر على من حولنا، رفقاً بأنفسنا ورفقاً بذوينا رفقاء رحلتنا، فما الحياة إلا رحلة وطريق، ورفيق..
فرفقاً..
وختاماً، هنيئاً لمن كان حديثه بلسماً، وطوبى للأقوياء، أصحاب موهبة تجاوز التفاصيل، والقدرة على حسن الظن بالغير والتماس الخير فيهم، سلاماً طيِباً لمن قال خيراً، وفعل خيراً، ولم يستهِن بالكلمة، فالكلمة كما أخبرنا عبد الرحمن الشرقاوي، نور، وبعضُ الكلماتِ قبور.. فلا تعتادوا القتل بالكلمات، ولا تستهينوا بها.
-
زهراء محمد رضامدوِّنة مصرية وكاتبة نصوص أدبية، مهتمة بالرواية والشِعر، صاحبة ديوان "ناي وقانون" ، الصادر بالعامية المصرية عن المكتبة العربية للنشر والتوزيع.. أحاول خوض تجربة الكتابة الروائية، وأحاول البحث في الكتابة عن ذاتي.. وفي الق ...
التعليقات
ابدعتِ دامت هذه الكلمات الراقية