إن التفاوت الكبير الذي نراه اليوم في الدخل هو شكل من أشكال العنف الإقتصادي الذي يرتكب بحق أفراد المجتمع، حيث يتم إتباع خطوات هيكلية وسياسية لصالح الأغنى والأقوى..

ويسبب ذلك ضررا كبيرا و بصورة شاملة وخصوصا لفئة الطبقات الفقيرة. وفي بعض المجتمعات تكون العنصرية العرقية سبب رئيسي في عدم حصول عدد كبير من أفرادها على الوظائف اللائقة التي توفر لهم الدخل المناسب، مما يؤدي إلى زيادة البطالة والفقر..

ومن جهة أخرى ساهمت الحروب في السنوات السابقة في تضاؤل الوصول إلى الأراضي المنتجة، وكذلك في الإستغلال المفرط للموارد مثل الأسماك أو المعادن دون إتباع خطط سليمة.. فأثر ذلك على العديد من سبل العيش.

وللأسف هناك بعض الدول التي تراجع إقتصادها بعدما وقفت على أعتاب النهوض الإدخاري.. فصنفت جنوب أفريقيا مؤخرا كأكثر دولة تعاني من التفاوت الشديد في الدخل، حيث تحتل المرتبة الأولى من بين (164) دولة في قاعدة بيانات البنك الدولي الخاصة بالفقر.

وتبعا لذلك إذا ما عقدنا مقارنة بين الدول، سنجد بأن البلدان التي تملك فجوة دخل كبيرة بين الأغنياء والفقراء.. هي الدول التي تملك أمراض إجتماعية أكثر، فتجدها مجتمعات تعاني من عدم الإستقرار السياسي بالدرجة الأولى، مما له دور سلبي على النمو الإقتصادي.

ولا يخفى بأن الأوبئة لها دور فعال في زيادة نسبة التفاوت والفوضى التخزينية.. فوباء كورونا مثلا دفع ما يقرب (100) مليون شخص إلى الفقر المدقع..

ورغم إنه من الممكن الوقاية من الأمراض أو حتى العلاج من خلال تدخلات بسيطة يتشارك فيها كل من الفرد والسلطات.. إلا إن هناك معاناة جدية في الكثير من الدول؛ وتتراوح أسبابها ما بين جهل الأفراد من حيث الوعي الصحي، وإهمال السلطات الجانب الذي يوفر الشروط الصحية لشعوبهم..

وهناك معضلة أخرى تتواجد بسخاء في العديد من بلدان الفساد والمحسوبية، و تكاد أن تكون أول الأسباب وأهمها من حيث تدمير إقتصاد أي بلد.. ألا وهي حصول فئة كبيرة من الأشخاص على وظائف لا تعادل مؤهلاتهم، مما يؤدي إلى إنخفاض معدل الإنتاج لتلك الأوطان..

فكم جميلة كانت هي العقود الماضية، حيث مستويات التعليم والمهارات وقتها هي التي حددت قدرة الأفراد في الحصول على الوظائف المناسبة لهم، لتطوير أنفسهم وزيادة فعالية المجتمع..

ومن وجه آخر نرى في الوقت الحاضر كل ما يزعم بأنه طريق إلى التطور الدولي، ما هو إلا غطاء لفساد مجتمعي.. وخير مثال على ذلك العولمة، حيث تشير الأبحاث إنه رغم ما حققته من نجاح في إزالة أسوار محددة بين الدول وبعضها البعض، وتقليل عدم المساواة العالمية إلاإنها أدت إلى إرتفاع نسبة التفاوت داخل الدول.. فإنخفض نصيب المنافع الإجتماعية وتخلخل الإستقرار الإقتصادي، وبالتالي كثرت الأزمات المالية والديون والتضخم للبلدان..

فتدمر إحساس الشعوب بالطمأنينة وتقدير الذات، وقلت الخيارات المتاحة التي توفر إحتياجاتهم، فإزدادت نسب الجريمة والأمراض..

وخير الحل.. إن بحثنا عنه فلن نجده إلا في تبني السياسات المالية و الإجتماعية التي تعزز المساواة، وفتح الفرص للفئات المهمشة وتحسين الطرق والإتصالات وما شابه.. والأهم من ذلك كله ضرورة إتباع اللامركزية في الخدمات العامة..

   #بقلم: أسن محمد