تأخذ عائلتك في يوم إجازتك الأسبوعية إلى النزهة إلى مكان ألفتموه.
بطريق العودة يفاجئك قطع الشرطة للشارع لحادث سير. تحاول إخفاء انزعاجك من الحظ العاثر. تأخذ مكرهاً طريقاً فرعياً ضيقاً وطويلاً لم تعهده، لعله يساعدك في تخطي منطقة الحادث. فتراه وافر الأشجار، زاهي الحدائق والشرفات بالأزهار. ترتاح إليه ويأخذك الفضول لاستكشافه إلى آخره متناسياً شارع المنزل، ومعللاً سبب استمرارك في هذا الطريق البديل أنه قد يقودك إلى مفاجآت أكثر، وصولاً إلى الحدّ الذي لاتجد معه بُدّاً من العودة إلى البيت.
الإنسان بطبعه ميّال للمألوف هيّاب للمجهول، وحين تعتاد طريقاً تتآلف معه حتى تحبّه. وحين يتحتّم عليك اتخاذ قرارٍ بتحويل مسار حياتك، تتردد خشية ألا يكون البديل مريحاًً كما تحب أو لا يؤدي بك إلى غايتك. فإذا جرّبته ووجدته أفضل مما تخيلت تبددت مخاوفك. وكلما سرتَ فيه أكثر ألفته وتصاعد شغفك لمعرفة المزيد عنه وإلى أين سيؤدي. حتى إذا أشبعت غريزة حبّ الفضول صرت قادراً أكثر على تحديد مسارك المفضّل والأمثل.
ترى، مالذي يجعلنا نعتقد أن الصغار متهورون؟!
فضولهم الجمّ وحبّهم لاكتشاف كل ما هو جديد، ومللهم السريع من كل ما اعتادوه فلم يعد يشكل تحدّياً لهم. فضولهم وبحثهم واكتشافاتهم هي التي تجعل حياتهم حلوة تملؤها الحركة والبهجة. لكن كلما تقدم الإنسان سناً قلّ فضوله وزادت مخاوفه من المجهول.
أصدقائي، صديقاتي، لا تخافوا المجهول ولا تهابوا التغيير ولا تعادُوا ما هو مختلف عنكم، فقد تكون تلك أسباب الإستزادة من الحياة خبرةً ومعرفة. ليس كل ما تعرفه صحيحاً وكل ما لا تعرفه خطأ، فقد لا يكون خطأً بنظرك إلا لأنك لا تعرف عنه ما يكفي. لا تهابوا الضياع في متاهات الطرق وفي ترّهات الأفكار. من حباه الله عقلاً فلن يتوه أبداً ومن خُتم على قلبه فلن يستطيع العيش دون تقليد الآخرين. سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق وكيف صار الخلق وكيف سيكون.
من ألِف إنساناً أحبّه، فإذا أحبّه لم يستطع العيش دونه.
ومن اعتاد مكانا تعلّق به، فإذا تعلّق به لم يستطع العيش خارجه.
ومن نشأ على فكرةٍ اعتقد بها، فإذا اعتقد بها أنكر كل ما سواها.
وبرأيي فإن أحسن الاعتياد ألا تعتاد، حتى تظل صغيرا مدى الحياة!
نحتاج أن نكسر عاداتنا اليومية الشكلية منها والضمنية بانتظام وصولاً إلى ألا نقيّد أنفسنا في إطار مُعيّن. سلاسة الحياة يعتمد على قدرتنا على التكيّف فيها حتى لا تصدمنا أقدارها. وبقدر ما يعكس ذلك مستوى ذكائنا، بقدر ما نحصل من التجارب على رصيد من التطور الإبداعي والمهاراتي في حياتنا. ومع كل قابلية أفضل على التكيّف يصنع الإنسان من نفسه نسخةً مطوّرة.
المقال منشورٌ أصلاً في "نافذتي":
https://akbasca.wordpress.com/2016/08/21/حظٌ-عاثر-أم-فرصةٌ-سانحة؟/
-
أقباس فخريلا أكتب للناس بل أكتب لذاتي. أحاول العثور على نفسي حين أكتب. لعلّي ألملم شتاتها المبعثرة فأجمعها، أو عساني أعيد تكويني.