استودعك يا حزني.
لا أذكر أنني كتبت دون أن تكون حالتي النفسية في أدنى مستوياتها. لطالما تغذت كلماتي من حزني، وما من غذاء أغنى من الحزن. أنا اليوم سعيدة، دون أن يوجد سبب لسعادتي، أو ربما السبب هو غياب سبب لأحزاني. مشاعري الآن مخذرة، لا يمكنني أن أميز إن كنت سعيدة أم حزينة، وبما أن نفسي تعرضت لجرعات حزن متوالية منذ ما يتجاوز الثلاث أشهر الماضية، قررت أن استمتع بهذا الشعور، استمتع بالهدنة التي متعني بها الحزن ولو لساعتين كاملتين.
ولأنني حزحة أي في منطقة بين الحزن والفرح، فوجهي هو الآخر تجاوب مع حالتي العجيبة هاته فلا هو ضحك ولا تجهم، فلما أضحك، فالضحك لطالما كان بالنسبة لي رفيق الحزن المخلص، فأنا على عكس جميع الناس الطبيعين، وسع ضحكتي يتناسب اطرادا و درجة حزني وعكسيا وفرحي.
الحرارة مرتفعة الآن بنواحي جرسيف، ومع أنني لا اطيق الحرارة لست لا حزينة ولا غاضبة، اسمع أغنية " أنا وحيدة" لاليسا، ومع هذا لا أحس بالوحدة التي احتضنتني البارحة. الساعة تتجاوز الزوال يدقائق ثلاث، ولطالما كرهت الساعة التي تحيط الزوال، ومع هذا ابتسم، بل حتى قلبي يرفرف بسعادة يحاول اخفاءها.
لأول مرة أكتب دون أن يكون الحزن سبب كتابتي، ولقمة استغرابي من الأمر قررت أن أوثق اللحظة، فلحظتي هذه لا بد أن يحتفل بها كعيد وطني، " عيد الحزحة الوطني"، هكذا يضيف مناسبة وطنية تمنح الموظفين يوم راحة آخر، و يكرس أكثر اغسطس كأوفر شهر مناسبات وطنية. تخيلو عيدا يحتفل به في 14 أغسطس من كل سنة، فقط تخيل الأمر أسعدني.
تجاوزنا جرسيف، التي يقال عنها " جرسيف عيش بسيف" وبطريقة غريبة لطالما ارتبطت ذكرياتي بهاته المدينة، بكونها المدينة التي تجرعت فيها أعلى جرعة نحس في حياتي، ومع هذا ولأول مرة تصيبني حالة الحزحة التي أحس بها الآن.
استودعك يا حزن، فارقني ولو لساعتين، ولو طمعا دعني في تخذيري هذا، ارحم لوعتي وشوقي لبعدك، فوالله لو كنت مكاني لتفهمتني.
-
فرحلأن الكتابة وسيلتي الوحيدة للتعبير