حرارة الكتابة بين الشكل والمضمون في مجموعة الوجه الحسن لمحمود طبل القصصية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حرارة الكتابة بين الشكل والمضمون في مجموعة الوجه الحسن لمحمود طبل القصصية

مشاعر تذويتية خاصة للكاتب

  نشر في 02 فبراير 2023 .

رؤية نقدية

حرارة الكتابة بين الشكل و المضمون

فى مجموعة " الوجه الحسن "

للقاص / محمود محمد طبل

بقلم : حسن غريب أحمد

كاتب وناقد مصري

_________________________

هذه هى باكورة الإبداع للقاص السيناوى محمود محمد طبل و هى بلا شك تستحق الوقوف عندها ، لأن البداية تشير لما بعدها

** البيئة و المخيلة فى القصة

و مجموعة " الوجه الحسن " كما سنرى تنتمى للبيئة المحلية السيناوية ، و هو نوع من الأدب تحرص عليه الأمم لأنه يسجل بطولاتها و تضحية أبنائها من اجل الأرض و المبدأ و يترك للأجيال التالية القدوة و المثل فى الكفاح من أجل القيم النبيلة .

تضم المجموعة التى بين أيدينا – الآن خمس و عشرون قصة هــــــى : -

( الوجه الحسن – الاغتيال سرا – غادة – البداية – فتى الفتيان – الجذع الخرب – شئ من الأرض – أسياد ،أحياء و أموات – النظرة الخيرة – الحصاد مرتان – دفء – وصية- غفوة – نظرة واحدة تكفى – كوب شاى – الحلم الضائع – أم الغيث – دائما النتيجة تختلف – إنذار – التل الأحمر – نور فى فنجان – حروف ترتجف – الطوق – التحدى – انتصار ) .

و فى حرص الكاتب على عدم تدوين تاريخ كتابة كل قصة ، دليل على أنه اختار نماذج من كتاباته الأخيرة فى الثمانيات و التسعينات ،و فيه إشارة إلى المناخ الذى كتبت فيه كل قصة . و الظروف التى احاطت بها ، و هى أمور يدركها الناقد دون إفصاح الكاتب عنها .

- و لعل الكاتب لم يختلف مع مضمون قصص هذه المجموعة ، و لا مع قضايا بيئته التى تحيط من حوله ، و لا مع القضايا التى أثارتها ،و لا مع الموضوعات التى تناولتها .

فالكاتب جاد فى أن يكون " واقعياً " معايشاً لقضايا الناس ، متلمساً أسباب مشكلاتهم و أحلامهم وتاريخهم و عبق ذكرياتهم ، مجسداً التناقضات الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية الصارخة مبرراً تلك القوى التى تنخر فى عظام المجتمع كالسوس ، منحازاً إلى تلك القوى المطحونة التى تئن تحت وطأة ضغوط الاحتلال الإسرائيلي لسيناء رافضاً كل صور الاستغلال و القهر و السلب الذى يستند إلى أسس غير إنسانية و غيروطنية وغير أخلاقية .

لسنا – إذن – أمام كاتب رومانسى حالم يتناول مسائل الحب ، و الموضوعات الخاصة بالقلب و المحبين العاشقين ، كما إننا لسنا إزاء كاتب يكتب للتسلية و الترفيه و دغدغة المشاعر و تملق الغرائز ،ومن ثم فإننا لن نظفر لديه بشخصيات تنتمى إلى الطبقة الأرستقراطية أو البورجوازية الجديدة أو ما لف لفهمها و لكنا سوف نعيش مع الأب الذى أحتضن وديعته يقبلها و يودعها و هو يئن و يتألم ( الوجه الحسن ) و الرجل الهرم الذى يريد أن ينتصر على هرمه و طفولته فى مبارزة واحدة ( الاغتيال سراً ) و الفتاة التى لمحتها العيون الصابحة فتعثرت على الطريق و هى تغازل الدنيا بأسرها ( غادة ) ، و الأستاذ الذى يضع نفسه على كرسى معدنى مبطن بالإسفنج و الجلد الأسود ليفتح الأحرف الهجائية باللغة الإنجليزية التى يتذكرها ليقرأ الدرس الأخير و ينطلق ( البداية ) ،أو الفتوة الذى جاوز عمره الآن ستين و تخرج فى الكلية الحربية ، و أصبح جندياً يشار إليه بالبنان الذى عانى الانكسار ( فتى الفتيان ) أو الذى يربت على ظهرها ، يذكرها بحديث جدته له صغيراً عن قصة قديمة لأم و أبناء و أب فاجر كـ ( الجذع الخرب ) .

** اللقطة المفردة

إن الشخصيات التى انتقاها الكاتب و المواقف التى اختارها تؤكد – جميعاً أنه كان كاتب يعيش واقعه الاجتماعى و الإنساني ، و يعرف دوره جيداً و ليس على مستوى البيئة السيناوية فحسب ، و لكن على مستوى المجتمع المصرى كله .

ذلك أنه واحد من أبناء شمال سيناء الذين يجتهدون فى أن يكون لهم دور فى حركة الأدب و الفن فى مجتمعنا .

ومن ثم فإنا نلاحظ أن ظل شمال سيناء و عبقها متواجد فى هذه المجموعة القصصية و بكثرة اللهم إلا ذكر أسماء بعض الأماكن غير المحددة فى قصة أو قصتين.

كما أن قصة ( أسياد – أحياء و أموات ) تدور فى مدينة العريش و تبرز مقاومة أبناء البلدة ضد الصهاينة المحتلين فهى ظواهر لا تنفى أنه يكتب عن قضايا سياسية و إنسانية و اجتماعية تهم الإنسان السيناوى و المصرى المأزوم ، المطحون ، فى مختلف المواقع و الأقاليم و فى المستوى الاجتماعى الذى طال حرمانه ، و ما يزال يطحن فى كل لحظة و فى كل حين .

و فى معظم القصص التى تضمها هذه المجموعة نجد الكاتب حريصاً على تجسيد مواجهة من نوع ما ، بين من ينتمون إلى الفئات الدنيا ، و أولئك الذين تسببوا مصرع حلمهم أو حرمانهم أو فى ظلمهم ، و لإبراز نوع العلاقة بين الطبقات الاجتماعية ، و القيم الأخلاقية التى أصبحت سائدة و السر الكامن وراء انتشار التفسخ الاجتماعى و الانهيار الأخلاقي و عدم التماسك بين عناصر البنية الاجتماعية .

و أحيانا تكون هذه المواجهة بين من ينتمون إلى فئة واحدة مستغلة ( النظرة الأخيرة ) عندئذ يكون الصراع متكافئاً ، و تكون النتيجة مدمرة للجميع .

و لعل هذا هو الذى يقصده الكاتب فى حين أن الصراع فى ( الحصاد مرتان ) و ( دفء ) و ( وصية ) بين قوتين غير متكافئتين ، لذا فإن النتيجة النهائية تأتى فى صالح الأقوى مادياً ووظيفياً و اجتماعياً ففى ( الحصاد مرتان ) يدور الصراع بين الذين ينتظرون حلم المولود و السباطة التى تهوى من على النخلة بدءا من حامد ، انتهاء بامينة و بين ( الشمس ) بالهيشة التى تحجبها و السماء التى تحملق تارة فيها و تارة أخرى فى زوجها المعلق فوق النخلة ما بين السماء و الأرض .

الشخصية الواحدة للقصة

أنهما يعيشان واقعاً قاسياً و يسكنان فى كوخ من الصاج يضم الزوجة و الأولاد و حلمهما لا يشى بتطلعات أكثر من حلمهما بأن تستمر الشمس مشرقة حتى يأتيها المخاض و تهوى السباطة من أعلى النخلة و حتى يجلسان أمام الكوخ حيث يكون الدفء و الحنان ، و القصة قمة فى السخرية المرة من التناقضات الصارخة فى المجتمع .

البسطاء يحلمون أحلاماً متواضعة لا إسراف و لا مغالاة فيها ، لا شئ إلا لأنهم أخذوا على عاتقهم إنها لن تتحقق ، أو ما قد يجعلوا تحقيق الحلم – فى الحصاد – منه سندا لحيطان أكواخهم المتهدمة – فى حين أن حلم حامد هو قطع سباط النخيل أما أمينة فى لحظة المخاض و الولادة من عناء و تعب شديد .

من يستطيع أن يعرف صبابة الكائنات تحت ضجيج هذا الزمان ، زمان الوثوقية و الطمس و الاستعارة ؟ تلك مغامرة أباحت ( محمود محمد طبل ) لأنامله الورعة إدمان محاولة الوصول إليها بأدوات الحلم و المخيلة ، فسار وحيداً يلعب فى أوتار أعصابه الطنين ، تقدم حمل خطوة الريح و جذوة الاشتعال ، و طأ يابس مشحوذ بأصداف الغرابة ، وجهته السؤال و جمرة الشك ، هو الحلم أداته و طريقة ، يمشى و لا يتوقف ، فلربما تخايل نصاً قادرا على لذة الانكشاف و رجفة العناصر نص يشف عن الهمهمات البدائية الساكنة فى قلب الضجيج .

و لكن ، كيف يجرؤ أن يشهق فى بهاء الكون و عكارته ، أن يحدق فى كلمات لا تشبه الكلمات له المحور النسيان و النقصان .

إن " الوجه الحسن " هو مقتل هذا الكون هو مولده و سر ضعفه " الماء غطى الوتد الموثوق ، من إليه قاربها الحبل البرتقالى اللون "

أهمية البداية و النهاية فى القصة

و هكذا تستهويه مساءلة الواقع ، و إغواء المستتر ، و الخروج من بصمة الترادف إلى احتراب الأضاد .

كأن الكتابة عنده سكة سفر ، ينتقل فيها من المعلوم إلى المجهول و يخترق عبرها البرانى ليطالع الغامض ثم يقبض على تلابيب الغامض ليكتشف اللغز .

إنه مشروع تحرر ضد الخطاب العام ضد كافة أقمطة التعبير عن ضجيج زمانه و أوجه كائناته و بيئته ، فعلى أى نحو أمكنه أن يترجم هذا الهديل الجسدى المتناقض ؟

الأبواب متعددة و الفضاء واحد ، ذلك أن صاحب هذه المجموعة قد أعتمد نصاً واحدا مفتوحا تتشعب فيه الحالات و تتوحد عبره المواجيد ، فالقصص تتتابع متمايزة و متعاشقة فى الآن .

نهاية الواحدة منها هو بداية التى تتلوها ، يساعفه استخدامه للجمل الموصولة فى مطالع بعض قصصه مما يجعل من النص امتدادا و مواصلة لقص لا تدرى متى بدأ ، و لا نعرف أيان ينتهى " مفردة جديدة و قلوب حائرة ، ترنيمة سادت منذ القدم ، جاوزت حد المألوف ".

" انتهت سميرة من عمل المنزل ، يمثل لها الشغل الشاغل و الإتاوة اليومية لحياتها اليومية بحرارتها و بردها "

" جابت بناظريها عمرها البعيد و القريب ،ووقفت على أعتاب حاضرها تنظر مستقبلها القريب تحاصر بعض مشاهد من طفولتها الناعمة "

" ضحكة عارمة من جوف عميق ، تسربت بكاملها خارج حدود الغرفة ، تلتقى بالأبواب فتخترقها "

الملاحظة بين الإيجاب و السلب

على أن التماس بين القصص و الاتساق المطرد فيما بينها ، يتجليان بالأوضح فى تجاوز التخوم على مستوى الوقائع و الشخوص ، و فى وحدة السيماء النفسية للراوى و فى المسار المشترك لبنية القصصية ووسائط التعبير كذلك ،فأطواء المجموعة تستوطنها دلالة محددة تختلج عبر سطورها ، و تتبدى فى استجواب الواقع و النبش فى دماغه ، و الشك الدائم فى الأجوبة التى لم تعد تشبع سوى الرغبة بالاحتماء و التحصن خلف أسئلة جديدة .

لقد شب جيل هذا القاص على صقيع انكسار أسهم فى تعميق إحساسه بالوحدة و الخيبة و دفعه أن يوصد صدره الموغور دون قيم الآباء و مسلمات الخلائق و إيقاعاته القديمة ، فانغرس فى آفاق و تجارب تفطر بيتم الفتاه التى عرفت فى البحر و إغوائها من قبل أبيها ، و رسم له جغرافيته الإبداعية .

ربما لهذا راح " محمود طبل " فى قصصه يسائل جدران المدينة ووديانها و أشجارها و الشوارع و الحلم ذاته تتخاطر مع نفسه يستميح العذر من لحظات الوجه الحسن الأخيرة يسلمها الغرابة للجذع الخرب فيستحضر الحصاد مرتان ، و جرس المدرسة الذى لا يعنيه تكراره و دوى تصادم السيارة و الشعيرات البيضاء للحية الخفيفة الناعمة .

ورياض سيناء و روحها و الخوف بلا وجل و الشهيد الذى جاب ثراها و تراب و عرق جهده .

اقتصاد الكلمات و بطولة القصة

أو هنالك من يحمل شجوه أو يكمل قصته المونولوج كان تكاته بين هذه الشواهد ، هو المناجاة ، و الوتر الأثير مما جعل الذاكرة تشكل فى هذه المجموعة مجالاً متسعاً و سيناريو حيويا ليحرك سياقه ، و امتلاك الرواية لنفوذه .

إن السرد ، و الوصف ، و الحوار و جملة الوسائط الأخرى تندغم كلها عبر المونولوج ، متحرراً من سميتريته و خيطيته ، فى عبارات قصيرة متسارعة يقف فى نصفين متوحدين بين بوح النثر و كتمان البيان ، فيكثف من خلالها علامات التنقيط مشمولة بالاستفهام عن المجرى الذى ظهر فيه " قبضت عليه قبضا يسيرا ، استشعرت دفنا غريباً يسرى فى ذاتها ، ينفث مداده يبعثر ذكرياته لتدب فى كل أوصالها "

" طفل صغير تبارك الخالق فيما أبدع عينان سوداوان و بشرة بيضاء مشربه بحمرة ، كفان رقيقان يتضرعان ، و ثغر يبتسم الآن "

" أمسكت بتلابيب جدى أهرول و هو يخطو خطواته الوئيدة ، متحدياً لشمس الظهيرة و رمضاء الطريق "

" دقة – واحد لكنها قوية ، دقة عنيفة واحدة أعرف دقات ساعة الحائط و أعرف جيدا دقات جرس المدرسة و أعرف دقات ضبط الوقت "

" آه ، و ألف آه كل هذه الخواطر مرت أمام ناظريها بمجرد أن وقفت أمام المرآة ، دق جرس الباب "

هذا النص تكونه الكلمة المكتوبة و الكلمة المحذوفة ، و رغم ذلك يمكن للقراءة أن تصل ما بين تبعثراته ، أو ما يخيل أنه تبعثرات ، حتى مع ما يسم فقراته من نقاط مفعمة بالكتمان و البوح و هنا كذلك تشكل الذاكرة مجالاً حيوياً ليحرك الشخوص ، فيحاول أن يخلع عنهم أثواب الطمس و غراء الترادف و التقارب .

الانعكاس و دقة الملاحظة

إن القاص ( محمود طبل ) يقف بإزاء شخوصه ، يراهم فى صخبهم المستعلق ، مجبول بذاكرة الرغبة و شهوة الاقتحام ، يمد خياشيمة ليتأملهم ، بعضهم من سكان المدينة ، ومن المثقفين ،يسكن المواجع حناجرة و يتطاوس على رءوسه كائنات الخواء و الطموح الخصى و المصالح البائرة .

" فرغم كل العذابات ، و رغم المسافة بين مدينة العريش فى الشرق البعيد و بين القاهرة فى الغرب القريب ، الذى كان منذ زمن من حلم أو أمل أتطلع إليه و أنا أعبث بدفاترى أو أقلب صفحات كتابى "

و آخرون تتوجعهم شوكة القلب تتعدد الشخوص بأسمائها ، لكن المنفى واحد و الطريق متفاوت ، إنهم يجهدون الخروج منه ، ينتظرون من يدلهم على ذخائر القدرة و التمكين ، منهم من فعلها فى سيناء و خط بارليف ومنهم من تعافه القرى و توسوسه الحلم على ورق و دفاتر المدرسة فى القاهرة البعيدة .

هناك فى وادى العريش ، فى المدرسة فى رفح ، فى حدود سيناء ،فى الطريق إلى القاهرة ، لأنهم الأمكنة ،فالأمكنة كالأحزان لا اسم لها و لا أمارة .

هذا كاتب يجيد مخاطبة الطفل الكامن فى اللغة يعشق بلدته و يكرمها ، يستبيحها تضاريس الجسد الأنسى : الخياشيم ، الأنوف ، الشفاه ، مقلة العين ، خصلة الشعر ، الرأس ، الوجه الحسن الضفائر ، يعرف الثمن الفادح الذى يقتضيه هذا العشق .

يعرفه و يخافه الآن :

" أنامل صغيرة لا تتجاوز الخامسة ربما لا تقوى على كشف سرها و البوح بمكنون ذاتها "

" زائرين حتى انبلج الصبح و انفض العرس و الجسد رابض "

" طائرات قاتمة اللون اخترقت مسامعى ، احتلت جوانب فكرى عبرت بدمى و دمعى ، عضضت على لسانى ، اكتم صرختى و حزنى "

الأغرب هنا أنه يعقد صفقة شيطانه الإبداعى مع جوانب فكره و عضة لسانه يقتحم بها مفردات لحن الهارب و ثرثرة الذات مع الذات و قتامة اللون للطائرات و هدير الانفجار و كتم الصراخ و الحزن و البوح و مكنون الذات فوعيه ، ذاكرته قادرة أن تمتزج بمنطق الأشياء و غواية الحس .

النقد و الفارق فى القصة

أسر اللذة أذن و اكتناره الشعرى ، هو الحلم الذى يسطع ضد هذا النص الأول لــ " محمود طبل " أنه الهامس المتأجج فى هذه التجربة الطالعة المرشحة للتجدد و التحول بعيداً عن الاستغراب فى ركام التصويرات التزينييه و إغراء الانزلاق إلى التداعى بدرجة ينوه فيها الخيط القصصى و سحر الطاقات الإيحائية الكامنة فى مباشرة الألفاظ .

مجموعة هذا القاص فضاء للتيه و للتأمل ، للتخيل و للذكرى ، إنه يصك تشابهنا يسافح كبرياءنا يوقف صخب زماننا على قدميه ومؤخرته تتلقف مسراته و رغبائه و إحباطه القادم من جراحات الميلاد و قطع حبال السرة إلى العظام فالاغتراب .

إن صاحبها لا يتقصد الشماته و لا السخرية عندما يتألب علينا بضدية مسنونة أمام معاينة الوجه الحسن و الأسياد فى حياتهم و موتهم الباهظ .

نحن نعرفه و نتساءل : أليس الانتظار كالمدى ؟ أليس وجود القوة كوجود الفعل ؟

هذا سؤال الضد لا فكاك منه و لا إجابة عليه ، إنه قلقنا و قلقه ، قلق الطفل يلمح وميضاً فى السماء فيفجر أسئلة صعبة فى وجه من يحيطون به .

اتساع الحلم القصصى

إنه يعرف ذلك ، هو على أكثر من يقين منه لكنه يلح بأسئلته و يدل ، و لا يصرح به خوف أن يعلق بشراكه ومع ذلك ، و رغمه فها هو فى هذه المجموعة يقحم نفسه و يخرج على وشم قبيلته ها هو يوشك على التورط فى مس المحظور و اتساع الحلم ليشمل الآخرين ، أنه لا يكتفى أن يشرئب برأسه منفرجاً و الجرح لم يندمل .

لقد ضبطه العسس و هو يبوح فى إحدى قصصه بالحلم و يفك بعضا من رموزه الحرونة حين قال و بالحرف : -

" و انشد يغنى أغنيتة الوحيدة " يا مفرقين الشموع قلبى نصيبه فين "

كأن المسألة لعب أطفال ، عاودته أغنيته و عادوه الحنين ، ما عادت أمطار الخريف تبلل الزهر و تدب فيها الروح و ما عادت رياح الخماسين ترهب القبطان على ظهر السفينة "

استبصار الواقع فى التعبير القصصى

إن القارئ لمجموعة :" الوجه الحسن " للأديب " محمود طبل " سيجد أنه يثير العديد من وجهات النظر ، و يفجر العديد من القضايا فهو يمتلك قدراً وافراً على استبصار الواقع و التعبير عن عوالم له تركيبه الخاص و عذاباته و بهجاته و بهاءاته و طموحه الإمساك بذلك العالم الغائب الحاضر .

فاستطاع أن يأخذنا فى مساربه الخفية إلى معنى كلى ، و فلسفة شاملة ، و شعور مطلق و حلم كبير إننا نرى أن هذا الكاتب نجح فى إضافة شئ لهذا الفن الأدبى المراوغ سواء فى البناء المتميز أو فى الجانب اللغوى .

فهو لا يتبع سياقاً زمنياً منتظماً ، و أسلوبه لا يعمد إلى السرد المباشر بل إلى ازدواجية السرد لهذا استطاع و فى مجموعته القصصية ( الوجه الحسن ) الأولى أن يفرض علينا لغتين مختلفتين ، و هاتان اللغتان تدلان على حقيقيتن و تصلان المرء بعالمين مختلفين هما : -

1- عالم الواقع 2- عالم الخيال

و ربما يجد القارئ نفسه فى نفس القارب الذى يطفو على سطح البحر سواء بسواء مع شخوص القصص و كأنه واحد منهم و رد فعله بالضرورة سيحدد وصول القارب إلى الشاطئ ، و لا يسعنا إلا أن نحى الكاتب " محمود طبل

على هذه المجموعة القصصية المتميزة .

الهوامش

1- قراءة النص – بين محدودية الاستعمال و لا نهائية التأويل ( التحليل السيمائياتى للبياتى ) الدكتور / عبد الله وتاض – نوفمبر 1997 م كتاب الرياض

2- التيارات الأدبية فى الأدب اليابانى الحديث و المعاصر – تأليف الدكتور/ كرم خليل أغسطس 1999 م الهيئة العامة للكتاب

3- القصة و دلالتها الفكرية – تأليف حنا مينه – ديسمبر 1998 م – مؤسسة اليمامة بالسعودية

4- الكتابة من موقع العدم – الدكتور عبد الملك وتاض يناير 1999 م – دار الرياض للطبع و النشر

5- وجوه و تأملات و دراسات و نماذج تأليف : محمد الدسوقى – الهيئة العامة لقصور الثقافة 1999 م



  • حسن غريب
    عضو اتحاد كتاب مصر عضو نادي القصة بالقاهرة عضو أتيليه القاهرة للفنانين والكتاب عضو نادي القلم الدولي
   نشر في 02 فبراير 2023 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا