يقال ان الثورة ليست بندقية ثائر فحسب بل هي معول الفلاح ومشرط الطبيب وقلم الكاتب وريشة الشاعر.. هكذا استوعبت مخيلة تشي الثورة على ارض قارة وقعت في تناقض بين حكومات رجعية و ثورات طوباوية , وهكذا سطر القدر حياته بدقة جد متناهية حياة تتخللتها ثلات محطات كبرى.. اولها الولادة والنشاة في الوطن الام (الارجنتين), وثانيها احتضان البندقية في كوبا , واخرها مسيرة ثائر في غوتيمالا . خرج من نفق التنظير البسيط البعيد عن الاحترافية لثورة وحرب العصابات , لكن بالمقابل دخل نفق بمعية كاستروا واخرون نفق التبصر والوعي الثوري والتنظير الصحيح لثورة تنظير على طريقة الكبار الذين سبقوه ثم الممارسة والفعل على ارضية "السير مايسترا" التي انبعثت منها رائحة الثورة الكوبية . ولعل اوراق "ذكريات عن الحرب الثورية الكوبية " التي خطها قلم تشي بمداد احمر ميال للسواد شاهدت على ما قلناه , وبدون تفير المداد كتب كذالك كتيب صدر سنة 1960 عنوانه "حرب العصابات" حيث ظهر تشي على نحو فريد , فيلسوف الثورة اكثر منه معلم عمل وهو يعتبر اولا وقبل كل شيء بمثابة تحدي لمنظرين الثورة الاخرين فمفاهيمه الرئسية ثلاث :
" القوات الشعبية تستطيع دحر الجيوش التنظيمية..
" البؤر الثورية تستطيع الامتداد لتخلف ثورة شاملة..
" الثورة لابد ان تنتصر في الريف..
ان محاولة تحليل وتفكيك السنوات الست التي قضاها تشي في كوبا هو في الحقيقة تاريخ الثورة الكوبية ذاتها ,عاشها الطبيب الثائر بكل لحظاتها مما جعل الاظفال يرتلون داخل القاعات الدراسية "سوف نصبح مثل تشي" لكن صدى الثورة ومنظرها الاول اجتاز حدود كوبا واجتاز الامريكيتين الى العالم اجمع ودون التاريخ في مقدمة صفحاته ان انسان يحمل بندقية تفوح منها رائحة الانسانية قد مر من هنا , الى درجة ان لسان "سارتر " نطق بان تشي اكثر الرجال كمالا في عصره .قلت بندقية تنبعث منها رائحة الانسانية ولم ابالغ في هذا الان صدى خطواته مازلت تسمعها الاذان الافريقية والاسيوية..
حقا لايروي الموتى حكايات ولكن يصنعون الاساطير, لقد كان تشي اعظم رجال عصره واكثرهم ذكاء وتنظيرا ورديكالية وانسانية وهذا هو الجميل بتركه للماركسيين قديسا كرس حياته وموته من اجل الانسان والانسانية ..تذكروا معي خطاب تشي في مؤتمر التجارة والتنمية التابع للامم المتحدة في اذار/مارس 1964 " اذا كانت مجموعة الدول المتخلفة تتنافس فيما بينها بلا جدوى من اجل فتات مائدة الجبابرة , متيحة بذالك الفرصة لشق صفوفها المتفوقة عدديا.... فان العالم سيبقى كما هو" تبصرو وحللوا منطقيا هذا الخطاب ففي محتوه سر , صحيح ان تشي مات من اجل الفقير , لكنه مات من اجل المستقبل ايضا..
-
خالد بوفريواكاتب