لفترة من الزمن كان السير لمسافات طويلة يستهويني، ما يجعلني أفكر بعمق دون أدنى توتر و في كل الأحوال بأعتبارها رياضة ، تصادفنى بعض القصص التى تحدث مصادفةً على مارة الطريق، تارة أواجه أحياء غنية و تارة أخرى فقيرة.
عندما أشاهد تلك الأحياء الفقيرة والغنية بطيبة أهلها و معدنهم ،عندما أتمشى خلال الشوارع بــل الأزقة الضيقة بين منازلهم المهترءة، لطالما يخالج دهنى شئ أود أن أراه يوماً ما .. أن أرى أحد مسئولى المناصب، الذى يترفع عن المرور و رؤية معاناة هؤلاء.. أن أراه يقطن هذه الأحياء الفقيرة لكي يتذوق مر ما تعانيه تلك الأسر القاطنة هناك .
على كل حال . .
ذات مرة من أغرب المواقف التي حدثت معي، وأنا شارد الدهن في سيري رأيت مجموعة أطفال يلعبون و يركضون خلف أحلامهم الوردية، و التى لا تتجاوز كرة أو بعض الحلوى، تلمحت طفلً رث الثياب حافى القدمين من دون باقي الصبية يركض خلفهم يحاول مجارتهم ، قد آلم نفسي ما رأيت .
أخذتني قدماي إليه لأحمل في يدي بعض المال و أحمل على وجهي أبتسامة كي لا يفزع، أقتربت منه على انفراد و جثوت على ركبتي و ممدت له يدي؛ في واقع الأمر لم يكن المبلغ سوى بضعة دنانير و كانت لي رغبة جارفة أن أرى الفرحة تداعب وجهه البرئ ..
إلا أنه نظر إلي نظرة لم أنساها كانت نظرة رجل بعيني طفل، و لم يتحرك ساكناً وكأنه كان يعلم ما جئت من أجله ومن بعد فترة صمت نتبادل فيها النظرات، جاوبني بالرفض بهز رأسه حتى أنه لم ينبس ببنت شفة فوضع يداه على بعضهما خجلاً، قلت له خذ و أجاب بالرفض فقط بهز رأسه دون تعليل !
و بينما انا أهم بإقناع الطفل و على حين غرة ، أخذ أحد الأطفال المال من يدي دون إذن أو أحترام، ألتفت إليه و إذا به يرتدي جميل الثياب والأغرب ان بقية الأطفال والذي يظهر على ملابسهم أنهم ميسوري الحال يركضون وراءه من أجل تلك الدنانير .
ثم عدت بنظرى إلى الطفل الفقير حافى القدمين نتبادل النظرات و هو ينظر إلي مبتسماً، كنا في حوار لا يسمعه غيرنا، علمني درساً و بالكاد لا يتعدى العاشرة من عمره أن الاكتفاء والتعفف قناعةٌ و كنز، فكيف بمن هو في ذروة صحته و عافيته ليسأل الناس أموالهم دون البحث عن عمل يسد به جوعه و يدفع به عنه أحتياجاته و التحجج ليبحث عن ما يحوجه ..
وأخيراً .. ما كان لي إلا أن ربتُ على كتفه و ذهبت بعيداً لألتفت و أراه يعود للركض خلف الكرة مجدداً و كأن شئ لم يكن ! ..
-
م. أحمد الغزيوى...