لم يكن نزار شاعر الحبّ فحسب ، و إن حصره جزافا في ذلك الباب إنما قصر نظر من القرّاء أو جهل ببقية قصائده التي لا يمكن إلا تكون قصائد الـ "ضجّة" و الجدل .
الوطن العربي \ الأمة العربية \ الشعوب العربية و النصف عربية كم كتب لها نزار و إنتقدها و وجه لها أصابع العتاب .
قرأت مرّة مقطعا له يقول فيه : ’’ ثمّ أنا شاعر لا أؤمن بالغيبيات ، و ضرب المنادل و قراءة فناجين القهوة .. فلكي أؤسس وطنا معافى لا بدّ لي من جرف كلّ هذا الخراب أولا ’’ .
ضجّ نزار حالة الهوان و الذلّ التي عليها الأمة العربية ، و كانت تقلقه رائحة العفن التي تخرج منها .. عفن المصالح و الساسة و غياب الضمير ، لم يفلت نزار هذه المواضيع النارية و كتب عنها قصائد بقيت إلى الآن تصف الحال كما هو عليه كأنه لم يتغير ، لم يكون عطوفا في نقده و لم يكن ممّن يضعون عمامات على أعينهم فلا يروْن ذاك الخراب الكبير الذي نعيش فيه . كان "قباني" العصا التي تضرب صميم القضايا دون رحمة ، حتى إتهمه البعض بالشعبوية و الغرور ..
يقول نزار ردّا على تهمة "الشعبوية" و الكره الأعمى للعروبة : ’’ ان وظيفة الشعر هي أن يغير و يحرض و يفجّر الأرض و الضمائر ، ثمّ على أي شيء تريدني أن أبني ؟
إن الأرض العربية مملوءة بقطع الزجاج و المسامير و النفايات .. و لكي تستطيع أن تبني بناء حديثا و حضاريا لا بد لك اولا من جرف النفايات التي تسدّ شوارع المدن العربية . ’’
لم يرحم نزار قباني في شعره السياسي عبدة النفط ، طالهم نقده و عتابه و كرهه أحيانا ، أولئك الذين يرهنون آبار نفطهم مقابل جلسة خمرية .. و يشربون كرامتهم نخبا لسيقان غانية .. كان لهم نصيب كبير من جرأة نزار قباني .
لم يكن نزار شاعرا عاطفيا بدرجة أولى حين يلعن العروبة .. و حين صدح بذلك البيت الشهير في مقرّ جامعة الدول العربية بتونس في قصيدته الخالدة "يا تونس الخضراء" قال : ’’ أنا يا صديقتي متعب بعروبتي .. فهل العروبة لعنة و عقاب ’’ ..
كانت تلك القصيدة أنموذج لم يترك فيه نزار عربي لم ينقده و لم يترك قضية لم يتطرق إليها و كانت أكبرها قضية معاهدة السلام بين مصر و الكيان الصهيوني فيقول ’’ ما هذه مصر فإن صلاتها عبرية .. و إمامها كذاب ’’
لم ينس نزار القضية الأم .. لم ينس فلسطين ، لم تغب غزّة و يافا ,, بحرها .. ليمونها .. زيتونها .. حتى حصاها عن شعر نزار ،
و قد لخصت قصيدة "بلقيس" الكثير .. لخصت واقعا عربيا مليئا بالدماء ، مليئا بالأشلاء ، مليئا بالخونة و الخيانة .. قاطعا مع تاريخ يُقال عظيم .
نزار قباني .. الطفل الكبير ، الشاعر العفويّ ,, المسكون بدمشق ، منذ 21 آذار 1923 كما يقول ،
الذي يغادر و يحمل دمشق في جيب سترته \ في دفاتره \ في قلمه \ في حقيبته ..
دمشق الحاضرة أينما حضر نزار ..
دمشق الحبيبة الأولى لنزار .. دمشق التي تعاتبه و تحاوره ..
التي يقول لها : ’’ أنت النساء جميعا
ما من إمرأة أحببت بعدك إلا خلتها كذبا .. ’’
دمشق التي يشبهها بـ ’’ مهرجان الماء و الياسمين .. ’’
هو الـ ’’ مسكون بدمشق حتى حين لا يسكنها ’’
هو الـ طفل الذي لم يقطعوا له مشيمته ككل أطفال العالم ، بل بقي مشدودا إلى رحم دمشق منذ 21 آذار 1923 ..
يقول ’’ إنها معجزة طبية أن يبقى طفل من الأطفال يبحث عن ثدي أمه سبعين عاما .. ’’
دمشق عند نزار ليست صورة منقولة عن الجنة إنها الجنة .. هكذا كان يقول.
- مروة عبد الله
-
Marwa Abdullahقارئة، مـحبّة للأدب، متذوّقة للشعر.. و قبلهم "أمّ". ♥️