البشوتي
عزيزي القارئ! لعلك قد تجد الاسم غريبًا بعض الشيء ولكن لا داعى للعجب أنه الاسم الذي يحمله دكان العطارة الذي يوجد بالمنطقة التي اقطن بها والذي اشتري منها مواد العطارة والبقوليات وبعض احتياجات البيت من صابون ومنظفات وغيرها ،أما صاحب العطارة (عم بشوتي) فهو رجل يناهز الستين من العمر ملتحي، يرتدى النظارات الطبية، وقور، جاد، متدين يغلق دكانته وقت كل صلاة، ذو هيبة ،لا يغالي في أسعاره، أمين في الميزان ذو هندام نظيف ،يفرض احترامه على كل من يدخل العطارة ،لا يسترسل في الحديث مع كل من يدخل دكانه عكس كثير من الباعة الذين يجدون في الكلام والحديث مع الزبائن التسلية والتسرية لذا كنت دائما افضل شراء احتياجاتي منه إلى أن توقفت فترة عن الذهاب للمحل إذ أنني وجدته أصبح يغلق المحل كثيرًا ولم يعد منتظمًا كما كان!!
وخلال هذه الفترة كنت اتخذ طريقًا مختلفًا لا أمر خلاله على عطارة عم بشوتي فلم أعد اتلمس أخباره ، ولكن ذات مرة وجدت المحل مفتوح الأبواب ففرحت لعودته للعمل مرة اخرى، ودخلت المحل ولكنني لم أجد عم بشوتي صاحب العطارة ، ووجدت بدلا منه فتاتين في مقتبل العمر ،ألقيت التحية وسألت عن بعض أنواع البضائع ثم سكتت برهة وسالتهن أين صاحب المحل؟ أين عم بشوتي؟ ومن أنتما؟ ابتسمت واحدة منهما وأجابتني أنا ابنته ووالدي قد توفاه الله منذ ثلاثة أشهر بعد صراع قصير مع المرض !! يا الله !! صدمت صدمة كبيرة وألجمتني المفاجأة
بقلم دينا عبدالقادر محمد الحلو
وسكنت لالتقط أنفاسي وتمتمت ببعض كلمات المواساة التي تقال في مثل هذه المواقف الصعبة وعبرت لها عن حزني الشديد وألمي وذكرى أبيها الطيبة وسألتها من سيتولى زمام الأمور في العطارة بعد رحيل أبيها!! فأحابتني أنهم سيعرضون المحل للبيع أو الايجار لأن شقيقها لا يزال صغيرًا ولا يوجد في العائلة من يقف في العطارة!!حزنت كثيرًا لأجلهن ودعوت لهن بالصبر والسلوان ولعم بشوتي بالرحمة والمغفرة والجنة، ومضيت في طريقة مطرقة الراس حزينة على رحيل عم بشوتي والخبر الصادم الذي لم أنوقعه، فالجيران والدكاكين والعطارات ومحال البقالة كلها تصبح جزء لا يتجزأ منا ومن عالمنا ومن حياتنا !!واليوم أمر على دكان عم بشوتي فوجدت اسمه وقد تم رفعه وازالته عن الدكان وحل محله إعلانًا (هذا المحل للبيع) ! ان كان الاسم قد رحل مع صاحبه، لكنني لازلت أتذكره وأمر عليه يوميًا واقرأ الفاتحة لهذا الرجل الطيب المحترم والذي ارتبطنا به طيلة فترة الجوار !! فالذكرى الطيبة تدوم وتبقى.
تبقى الذكرى الطيبة عالقة بالقلب..هم أولئك الذين ينقشون احترامهم بطيب تعاملهم على جدران قلوبنا.. ويصعب علينا أن ننساهم.سلام لأرواحهم الطاهرة.
-
دينا عبدالقادر محمد احمد الحلواعشق كتابة الخواطر والمقالات واحب القراءة والشعر والادب