الموقوفون على ذمة التساؤل معرقلون ومبعثرون للقيم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الموقوفون على ذمة التساؤل معرقلون ومبعثرون للقيم

سميرة بيطام

  نشر في 22 نونبر 2022 .

عبر عقود من الزمن ظهرت عقول مفكرة تدون رأيها بكل ثقة فيما تلاحظه من حركات وظواهر مجتمعية وما تسجله من تفاعلات فكرية مع الواقع وما يفترض أنه المستقبل..لم يمر زمن على كتابات هذا الصنف من العباقرة في زمانهم هذا الا وجذبت اهتمام الشغوفين لفهم حقيقة الوجود فكانت محاور تفكيرهم صالحة لعديد من السنوات القادمة وهو ما استشفه المطالعون عن قرب لكتب بعض منهم مثل المفكر مالك بن نبي وسعيد ادوارد ومحمد اقبال ،ولا يسع المجال لأن ننقل تجربة كل مفكر على حدى لنضع نقاط التشابه والالتقاء والتي أغلبها كانت تلتقي في مسألة القيم والنظرة لما يدور حول الانسان من أحداث وتقلبات حياتية ، فكان محمد اقبال المفكر الباكستاني قد اقتحم عالم التحديث وهو من طلب العودة الى روحانيات الإسلام والعودة للأفكار الأساسية له وأن يتم تغذيتها بالفلسفة العالمية التي تدعو الى الذاتية، فالتجديد يقرنه بالمعرفة العالمية ،كما نادى بالاجتهاد في أن يكون على مستوى البرلمان مع علماء الدين وضرورة الاجتهاد للوصول الى حلول جديدة مغذاة بالفكر الإسلامي وتكون بنت عصرها، وهذا الاجتهاد يمكن أن يأتي به الإسلام للرد على الفلسفة المادية الطاغية للغرب، وهو ما يوضح شدة تعلق الشباب بكل ما هو دخيل ومنه نمى الولع بالحضارة المعولمة بتقنيات التحديث المناقضة للقيم والمبادئ الإسلامية لتحول مجرى الحياة الى عالم المادية والالحاد أكثر منه الى الواقعية من الوجودية الإنسانية، وهي توحيد الله وافراد العبودية له.

وهي وصية محمد اقبال في الابتعاد عن الالحاد المادية ،ونفس الشيء نجده في كتابات المفكر الجزائري مالك بن نبي الذي صب اهتمامه في القيم وأخلاقيات الفرد في مقولة شهيرة له :

"لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من أشياء ، بل بمقدار ما فيه من أفكار"، مقولة تنسب لمنظر النهضة الإسلامية وشاهد القرن مالك بن نبي الذي بقيت كتاباته منبعا لاستخلاص القيم بمفهوم العالمية والموضوعية، ولم تكن حكرا على مجتمع معين أو بحقبة زمنية معينة والدليل في ذلك هو تتلمذ الناس من كل بلاد على فكره الذي بقي صالحا في كل زمان ومكان.

ليست الغربة غربة الأفكار أو الشخصيات، انما الغربة الحقيقية هي غربة الابتعاد عن الحقيقة من مصادرها الأصيلة ،اذ يُعتبر علماء الفكر الحر مصابيح يجب الاستنارة بنورها في سبيل الاهتداء الى حقائق الظواهر والقضايا والأحداث، حتى لا يبقى الغموض يكتنف العقول ويترك مجالا للتساؤل دائما خاصة لمن توقف في محطة ما يبحث له عن معرفة جذرية لمصدر القيم، هل هي مستمدة من نصوص القرآن الكريم في فحوى آياته ،أم هي شيء يتربى عليها الناس مع الوقت وبالاكتساب؟.

لن تكون الإجابات سريعة هكذا من أجل الوفاء بالردود ،بل ستكون منبثقة من تفكير واع أن ما تركه علماء الفكر الحديث من كتب وأفكار وتحليلات هي لإيجاد صيغة ملائمة للعيش الكريم دون جهل للوقائع التي باتت تتنوع وتختلف اليوم أكثر من أي وقت مضى بسبب سرعة التكنولوجيا وظهور البيولوجيا الراغبة في التغلغل في المشهد الحياتي بإضافات جديدة لسيرورة ظاهرة الفايروسات والأوبئة التي شكلت تهديدا لحياة البشرية ،وهذا ما لم يكن في الحسبان رغم اشادة البعض من الرؤساء والعارفين بخبايا الأمور أن ثمة نوازل ستشهدها البشرية قاطبة ضمن الأزمنة القادمة.

يبقى أن الموقوفون للتساؤل هم أشخاص متطفلون على الحقيقة خارجون عن اطار قانون الحياة المنظم، راغبون في أن يفهموا الكون والكواكب وطريقة العيش فيها على نسقهم الخاص والمحدود وهي لم تكن كذلك، هم أشخاص دخلاء على مسألة التوازن الكوني ،يريدون اثارة قوانين وقواعد جديدة تلبي فيهم رغبتهم الجامحة في أن يفصلوا الدين الإسلامي على تنظيم الحياة، لأنهم يعرفون أن الدين هو المنظم الأساسي للعلاقات الاجتماعية وللمواقف الانسانية ضمن اطار الاحترام والتقدير والتفهم لبعضنا البعض دون مغالاة في الوصف، وعليه نجد أن هؤلاء الموقوفون للتساؤل يرغبون في أن يغيروا دستور الحياة ككل ويصنعوا لهم مجدا على حساب الأغلبية التي تربت على جذور الإسلام من المهد الى اللحد لكن بفوارق فقط في الجنسية واللغة وتقاليد العيش، ليبقى هؤلاء المعرقلون يناقضون ما دعى اليه أصحاب الفكر الحر من مبادئ وقيم رسموا لها أبعاد الاستنطاق من توافق الروح مع مضمون دلالات التكيف مع الواقع ، وبالتالي لا يمكن على الاطلاق أن تتبعثر هذه القيم والمبادئ على مرأى هؤلاء المبعثرون لأنهم مجرد مشاكسون مثيرون للسخرية من معتقداتهم المستمدة من بيئة هشة لم تبني أسسها مما جاء به الإسلام حقيقة، بل يرون في الإسلام دينا صعبا للفهم وهو عكس ذلك تماما، كما أنهم يرون في كراهية بعض أجناس البشر امتيازا وجب تحقيقه مهما كلفه ذلك من ثمن، وهنا مكمن الجاهلية الأولى التي انبثقت من واقع حمل معه الكثير من التضليل و الظلم واللاعدل، ولم يتم الاحتكام أبدا الى شرع الله ،وهو ما تسعى اليه عقول لم تفهم أو لا تريد فهم بنود الإسلام كمنهج حياة وخطة محكمة لكل ما يناقض السنة النبوية التي جاءت محملة بشروحات وافية لما يجب أن يقوم عليه المجتمع من تربية صحيحة وعقيدة متزنة على أسس من المبادئ والقيم التي حاول البعض بعثرتها على نحو من الفوضى أو الاقصاء حتى لا يستنير جل الناس الى السراج المبين والقرآن الحكيم الذي تفوق على الشرائع الأخرى بوسطيته ومثاليته الراقية في معاني التسامح و التكافل والرحمة والخير ودرء الشر والصدق والوفاء وغيره من صفات المسلمين التي أزاحت الكثير من الشبهات حول مفهوم الايمان أي التمسك بحبل الله المتين الذي تحاول الفتن اليوم قصه الى اثنين لينقطع الأمل ويتشتت الجمع وتظهر الاختلافات وكل ذلك لن يقدم و لن يؤخر شيئا سوى أنه سيفتح هوة التشاحن والتباغض و يوسع من فجوة الفرقة و هذا مناف تماما لما دعى اليه المصلحون في أزمن ماضية و كذا اليوم، وعليه فالمطلوب من مصلحي آخر الزمان إعادة البوصلة الى مكانها الحقيقي بعد انحرافها لدمج الناس من جديد ضمن اطار التوزان النفسي والفكري والعقائدي بعيدا عن دعوات الالحاد التي استقوت اليوم بمنظمات وشخصيات وبرامج تريد بذلك الوصول بأقصى سرعة الى هدم ما بناه المؤيدون للفكر الواعي على مر عصور وأزمنة خلت.

حري جدا اليوم أن يقف علماء الفقه وأهل التخصص في الاجتماع و النفس والأسرة لاعادة بلورة فكر راقي يضمن للناس حقوقهم ويحثهم على العمل الدؤوب من أجل حفظ الكرامة بعزة وأنفة وسط أمواج الفرقة والتغريب و الطعن في مصداقية العلماء المفكرين الذين أفنوا حياتهم ليقدموا خلاصة أفكارهم للأجيال الصاعدة لتجد لها الموسوعة المناسبة لاهتماماتهم وكذا تساؤلاتهم عن فهم الحقيقة كما هي مهما حاولت أساليب المراوغة والتضليل والفتنة أن تعطيها أبعادا ومفاهيم أخرى غير التي تليق بها أو غير التي نشأت عليها ضمن منظومة روحية فكرية واضحة وراقية في آن واحد.


  • 1

   نشر في 22 نونبر 2022 .

التعليقات

Dallash منذ 1 سنة
دوما وكالعادة دكتورة ..لا استطيع إلا أن أتوقف أمام هذا الفكر إجلالا واعجابا وتعجبا..أكثر من رائعة دكتورة
0

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا