كِذبة المراهقة في المنظومة التربوية - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

كِذبة المراهقة في المنظومة التربوية

  نشر في 22 أبريل 2020 .

إنَّ القوانين التي تتبناها المنظومة التربوية بالجزائر، تعامل التلميذ في المتوسطة والثانوية على أنه طفل لا يعرف مصالحه، وهو مُعَرَّض لأنواع الاستغلال والظلم، ولذلك وجب حمايته، فيمنع طرده من صفوف المدرسة قبل سن السادسة عشر حتى لو أتى أمرا يستحق من جرائه الفصل، فصار التلميذ في الحقيقة هو السيد والكل خدم له، وهذا أفسد التلميذ من حيث أراد أن يُصلحه، فتعلَّم عدم تحمل مسؤولية أخطائه، وتعلم أن يُكافأ على أخطائه بدل أن يعاقَب عليها، وصار عنده مخالفة القانون الداخلي للمؤسسات التربوية أمرا لا حرج فيه، بل هو علامة على النضج، لأنه في سن المرهقة!

أرى أنَّ أمرنا في المنظومة التربوية لن يستقيم حتى نتحرر من أسر التقليد الغربي الأعمى، في التشريعات، والقوانين، والنظريات وغيرها، أعني التقليد الأعمى لا نُشدان الحِكمة. وفي منظومتنا التربوية تناقضات كثيرة، ومنها أننا نريد بناء جيل يقتفي خطى شهداء الثورة التحريرية في التضحية والبذل والعطاء، ونُدرِّسهم نصوصا تعرِّفهم ببعض هؤلاء الأبطال، وفي الوقت نفسه نعلمهم –عمليا لا نظريا- أنهم فوق القانون، وفوق الأستاذ، وفوق المدير، وأنه مهما كانت أخطاؤهم، فهم في حماية القانون.

وإني أسأل القائمين على المنظومة التربوية اليوم: إذا كنتم تطلبون من التلميذ الاقتداء بشهداء ثورة 1954، فلماذا تتجاهلون أنّ الكثير من الشهداء كانوا في سنه عند التحاقهم بثورة التحرير، أو عند استشهادهم؟ وكلامي هنا عن التلميذ فوق الخامسة عشر في المتوسطة والثانوية. إلى متى سيظل التلميذ ذو الستة عشر عاما أو الثمانية عشر صبيًّا في نظركم؟ تتغاضون عن إهاناته للأساتذة على مرأى من العالم أجمع، بل وتُحمِّلون الأستاذ المسؤولية عن أخطاء التلميذ، وتريدون منه أن يكون أستاذا خارقا يحوِّل التراب إلى ذهب، وما شهدناه من حوادث من هذا القبيل مسيءٌ أيما إساءة للمجتمع، والدولة، فهل يعقَل أن تصرفوا النظر عن إهانة تلميذ لأستاذه داخل القسم اليوم، ثم تلومونه غدا –وربما تسجنونه- لأنه لا يحترم العلماء، أو أئمة المساجد، أو مسؤولي الدولة؟!

إنني أدعو القائمين على المنظومة التربوية إلى إعادة النظر في القوانين التي تؤطر تمدرس التلميذ، ولنذكر جميعا أنّ المراهقة مسألة نسبية جدا، قد لا يعيشها التلميذ أبدا لو كَبر على تمثُّل الأهداف العالية، ولْنَنْظُر إلى هذه الأمثلة من ثورتنا التحريرية.

تحدث الشيخ محمد الصالح الصديق -حفظه الله- في كتابه "رحلة في حياة المرأة"، عن شهيدات سقطن في ساحة الجهاد وهن في عمر الزهور، في السابعة عشر، والتاسعة عشر...وأترابُهنَّ اليوم لا يعرفن أو لا يعرفون حتى قيمةَ العلم الذي يدرسونه، وممّن ذكرهنَّ الشيخ:

الشهيدة "حسيبة بن بوعلي التي رأت النور في اليوم الثامن عشر من شهر جانفي سنة 1938 بالشلف...سقطت شهيدة مع رفقائها في حي الرامس بالقصبة بتاريخ 08 ديسمبر سنة1957 إثر تفجير منزل اختبأ فيه الفدائيون" أي أنّ عمرها عند استشهادها كان تسع عشرة (19) سنة.

"ثم احتضنتها ثانوية "عمر راسم" فواصلت فيها دراستها بإرادة وعزم، ولكنها في هذه الفترة -وقد تفتح فكرها، وأخذت مداركُها تتسع- أخذت تفكر بعمق في سياسة المستعمر الفرنسي في الجزائر، وفيما يمارسه من قمع وتنكيل بالشعب الجزائري...ولا يبعد على فتاة في هذا المستوى من التفكير، وفي هذا الوضع من التألم لوضع بلدها الرديء أن تكون قد تساءلت بينها وبين نفسها: كيف نتخلص من هذا الوحش الضاري الذي جثم على وطننا منذ 1830م؟ ولَمّا اندلعت الثورة التحريرية اهتز قلبها فرحا...ثم انضمت إلى فدائيي القصبة الذين يعملون تحت قيادة المجاهد "ياسف سعدي". وهذا يعني أن عمرها عند انضمامها إلى الثورة التحريرية كان ستة عشر سنة، أي في عمر تلميذ في مرحلة التعليم المتوسط، يعني (مراهقة) ليست مسؤولة عن أفعالها!فهل كان قادتها وزملاؤها في السلاح حين يعاملونها، يراعون فيها سن المراهقة فلا يكلفوها بأعمال فدائية؟!

إننا اليوم في المؤسسات التربوية ربما تغاضينا عن تناول بعض التلاميذ الحبوب المهلوسة والحجة هي (المراهقة)!وماذا عن دعاة الإنسانية، وحماة الطفولة؟ أما كانوا يعلمون أن في المخبأ حين فجروه شابة عمرها تسعة عشر سنة فقط؟

وتكلم الشيخ عن بطلة أخرى وهي عائشة حاج سليمان، "وخلاصة القول في هذه اللبؤة أنها من تلمسان، وفيها ولدت سنة 1940م...وفي إضراب الطلبة في شهر ماي سنة 1956 التحقت بالثورة بالحدود الغربية". أي أنها كانت في السادسة عشرة (16) من عمرها حين التحقت بالثورة (مراهقة)!

وتذكَّر أنَّ القانون اليوم يمنع طرد أي تلميذ من الدراسة قبل هذا السن، فربما بلغ هذا السن أو تجاوزه، وهو في المرحلة المتوسطة مازال يلعب لعب الصبيان، ويُهمل واجباته، ويَبلغ منا الجَهد مبلغَه ونحن نحاول إقناعه بالاجتهاد في دراسته.

ويواصل الشيخ كلامه عن الشهيدة:" ثم أجرت تربصا عسكريا وسياسيا في مدينة وجدة المغربية، وبعد ذلك دخلت إلى الجزائر وعينت في الولاية الخامسة، وأخذت تعمل في المجالين العسكري والسياسي. وفي شهر ديسمبر سنة 1957 حاصرتها القوات العسكرية الفرنسية في مخبأ ...ففجرت المخبأ وهي فيه، فنالت شرف الشهادة".

كان عمرها آنذاك سبع عشرة (17) سنة، أي في عمر تلميذة في الثانوية، أو في المتوسطة، فانظر رحمك الله إلى سلوك الكثير من التلاميذ في الثانوية اليوم، تجدْه بعيدا عن روح المسؤولية، مُجافيا لأخلاق العلم، مُنافيا لآداب التمدرس، والقانون يحميهم، لأنهم في حكم الأطفال!بينما كان أمثالُهم يحاربون الاحتلال.

ومن البطلات الشهيدات "وريدة مداد التي ولدت بالجزائر العاصمة بتاريخ 18 أوت سنة 1938...والتحقت بالجبل بمساعدة المجاهدة "بهية حلوى" وقضت في الجبل مدة، ثم اقتضى النظام الثوري وجودها في العاصمة فعادت إليها، وكلفت بأعمال فدائية مختلفة، منها نقل القنابل، فكانت في مستوى المهمة رزانة وثباتا، وذكاء وحيلة، ودقة في الموعد، ومهارة في التخطيط والإنجاز".

فلِلَّه درَّكِ أيتها البطلة، فَتِربُكِ اليوم لا يوثق به في نقل جهاز كمبيوتر محمول من قسم إلى قسم، والكثير من المدراء ينهون الأساتذة عن تكليف التلاميذ بنقل الوسائل التعليمية داخل المؤسسة خشيةَ إفسادها، بينما كنتِ أيتها البطلة تنقلين القنابل في شوارع العاصمة! وبينما كانت مواعيدك دقيقة، مازال الكثير من التلاميذ والطلبة، يرون التأخر عن الأقسام والمدرجات رجولةً وشهامة!

هذه البطلة الشهيدة "ظلت في عملها الخطير المحفوف بالمخاوف، حتى وقعت في أيدي الجنود الفرنسيين بالقصبة يوما، وسيقت إلى زنزانة المظليين حيث سلطت عليها ألوان من التعذيب الجهنمي رغبة منهم في انتزاع سر من أسرار الثورة، ولكنها ظلت على الكتمان رغم العذاب الفظيع، مما جعل هؤلاء الوحوش يزدادون حقدا عليها وضراوة، ويضاعفون تعذيبهم ويتفننون فيه. ثم رأوا أن يعلقوها من رجليها، فكان أن لفظت أنفاسها وذلك في شهر أكتوبر 1957" وكان عمرها آنذاك (19) تسعة عشر عاما، في عمر تلميذ في النهائي أو في السنة الأولى من الجامعة.

ومن الشهيدات البطلات "فضيلة سعدان" ولدت سنة 1938 واستشهدت سنة 1960، وكانت قد بلغت الثانية والعشرين، و" أختها الشقيقة مريم سعدان" المولودة سنة 1932، واستشهدت سنة 1958، وعمرها آنذاك ست وعشرون سنة، ومن البطلات الجزائريات الشهيدة" مريم عبد العزيز التي رأت النور في يوم من أيام شهر ماي سنة 1937...ولما اندلعت الثورة التحريرية أخذت تعمل في أجهزتها السرية (كان عمرها 17 سبعة عشر عاما) وفي أواخر سنة 1955 تطور نشاطها الثوري فأصبحت تعالج الجرحى من المجاهدين والمدنيين، وتشارك في خوض المعارك (وعمرها 18 ثماني عشرة سنة)...فخرجت في مهمة ثورية بنواحي "المسيل" مع فرقة من المجاهدين، فوقعت في اشتباك مع الجنود الفرنسيين...أما مريم فقد أصيبت بجروح بليغة نقلت على إثرها إلى مستشفى بسطيف، ورغم حالها هذه فإن الجنود الفرنسيين لم يرحموها ولم يراعوا القوانين الدولية التي تحمي أسرى الحرب، فتوالوا عليها بأعقاب البنادق في وحشية وسفالة نفس، فلفظت أنفاسها، وانتقلت روحها إلى بارئها تلعن إنسان القرن العشرين الذي يدعي التحضر والتمدُّن وهو منها بريء" أي أنها استشهدت في العشرين من عمرها.

وغير هؤلاء كثيرون رجالا ونساء، فمسألة المراهقة، والتساهل في تربية النشء تربية متوازنة، ومعاملتهم بهذا الأسلوب الرقيق الذي جرأهم على قوانين الدولة ورموزها، كل هذا يجب مراجعته، فالتلميذ في سن السادسة عشر قادر على تحمل مسؤولياته، قادر على التفكير والابتكار، وكلما كبَّرناه كبر، وكلما صغَّرناه صغُر.




   نشر في 22 أبريل 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا