الاستيقاظ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

الاستيقاظ

قصة قصيرة

  نشر في 30 نونبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

       دقت الساعة في منزل آل كراولي معلنة انتصاف الليل، حينما استيقظ توم من نومه. بقي جالسا في السرير يحملق في الفراغ لعدة دقائق، حيث تشوش الزمان والمكان في عقله الناعس. لم تكن الشموع مضاءة على غير العادة. كانت الغرفة غارقة في الظلام، لولا شعاع ضئيل من ضوء القمر، تسلل من بين ستائر النافذة، ممتدا عبر أرضية الغرفة الباردة.

       خلا عقل توم من كل شعور ما عدا اثنين، أولهما شعوره بأنه كان بعيدا عن هذا العالم منذ زمن طويل، وثانيهما الجوع. تسائل فيما إذا كانت الخادمة ما تزال تعمل في المطبخ، لكي تعد له وجبة خفيفة. فنهض من السرير ومشى بتثاقل خارج الغرفة. عندما وصل الصبي إلى الدرج، لاحظ أن باب غرفة والديه كان مفتوحا قليلا. فتناهى إلى مسامعه صوت والده السيد كراولي وهو يتحدث إلى أمه. نسي توم جوعه في تلك اللحظة، وأراد رؤية والديه. حدث في عدة ليال أنه شاهد كابوسا أثناء نومه، فيستيقظ مذعورا ويغادر سريره لكي ينام مع والديه. لم يكن خائفا هذه المرة، لكنه اشتاق إلى الإحساس بالدفء وهو مستلق بقربهما.

       توجه توم إلى الغرفة ودخل بهدوء. كان أبواه مستلقيين على السرير. رأى والده وهو ينحني على وجه أمه ويطبع على شفتيها قبلة مطولة. يبدو أنهما لم ينتبها لدخوله. فاقترب توم من السرير ونادى على أمه: "أمي!" لكنها لم تسمعه، وكذلك والده. فرفع صوته أكثر، لكنهما كانا مشغولين بتبادل القبل. غضب توم لتجاهلهما إياه على هذا النحو وصاح بأعلى صوته: "أمي! أنا هنا!" فانتبها هذه المرة ونظرا معا إلى مصدر الصوت، ويا إلهي! أي رعب رآه توم يرتسم على وجهيهما. أطلقت السيدة كراولي صرخة قوية وانفجرت بالبكاء، فأخذها زوجها بين ذراعيه في حين بقي نظره مسمرا على ابنه دون أن ينبس ببنت شفة. حدث ذلك كله في لمح البصر. كاد قلب توم يتوقف مما أصاب والدته فجأة. لم يفهم ما حدث لها، وتملكه الفزع بدوره. لم يعلم ماذا يفعل في تلك اللحظة. أراد أن يلقي بنفسه في أحضان والديه، لكن منظرهما وهما يحدقان إليه بارتياب أرهبه وأبعد الفكرة عن رأسه. فاستدار دون أن يقول أو يسمع اي كلمة وعاد راكضا عبر الممر المظلم. وما إن دخل غرفته وأطبق الباب من خلفه حتى غرق المكان بضوء يعمي البصر. أشعلت الشموع من تلقاء نفسها، وفتحت النافذة بقوة على مصراعيها. ترددت في الغرفة صرخات مرعبة قادمة من أعماق الجحيم. ملأ الرعب قلب توم وهو ينظر لما يحدث حوله وبدأ ينتحب بقوة. جلس على الأرض وأغلق أذنيه براحتي يديه لكي يطرد الأصوات الكريهة، لكنها كانت قوية. أي كابوس رهيب هذا؟! لم لا يستيقظ منه كما يحدث دائما؟! كلما أغمض عينيه وفتحهما كان المشهد هو نفسه، النور المتوهج الغريب والصراخ المرعب. ركض لكي يخفي نفسه تحت أغطية السرير حينما سقط شيء كبير أمامه مباشرة وتكسر. لقد كانت المرآة. وعلى حطامها المتناثر لاح له انعكاس لشكل غريب. حمل توم قطعة من الحطام، ونظر فيها، لكنه لم ير وجهه، بل رأى صورة كائن مشوه. كان ينظر إلى وجه أبيض كالثلج، بشفتين زرقاوين منتفختين، وحفرتين عميقتين مكان العينين. لم يحتمل توم رؤية ذلك الشيء، فغام بصره وأصابه دوار شديد، ثم خر جسمه على الأرض، ولم يشعر بشيء بعد ذلك.

       انقطعت الصرخات، وعم الغرفة السكون من جديد. فتح الباب بعصبية وأطل منه وجه رجل شاحب. أدار السيد كراولي بصره المترقب في المكان، لكنه لم ير شيئا على الإطلاق. كانت غرفة ابنه المتوفى غارقة في ظلام دامس، فيما امتد شعاع ضئيل من ضوء القمر عبر الأرضية الباردة.


  • 2

   نشر في 30 نونبر 2018  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا