قبل فترة من الزمن أخبرتني صديقة لي أنها تعاني من مشكلة عاطفية وهي أنها كانت تحب شخصا و لكنه انفصل عنها لأسباب عديدة و ارتبط بأخرى و أنها لا تستطيع مشاركة القصة مع أحد خاصة أهلها لأن العلاقة كانت سرية و أخبرتني أنها لا تستطيع تحمل الألم الذي تشعر به و أنها تتجه نحو الاكتئاب و أن ما حصل من خراب في مشاعرها العاطفية بعد الحب الكبير الذي كان يجمع بينهما لا يمكن أن يتحمله أحد . و أن سبب هذا الحزن ليس فقط ما حدث و إنما أيضا عدم قدرتها على مشاركة ما حدث مع أي شخص. و هذا مثال بسيط يدلنا أن الانسان بطبعه يميل إلى أن يسجن نفسه في معاناته مجسدا دور الضحية غير مستعد لأن ينقذ نفسه من دوامة الألم بل إنه يستمتع بها و يشعر بتفرده على قمة المعاناة وحيدا لا يشبهه أحد فيها.
يقول شوبنهاور "من النادر أن نفكر فيما نملك، بل نحن نفكر فيما ينقصنا." و يرى أن الانسان يتأرجح بين الألم عندما لا تتحقق رغباته و بين الملل و السأم عندما يتمكن من إشباعها و إروائها ومن هنا يصرخ شوبنهاور : أن الألم و المعاناة هما قدر الإنسان
تزداد معاناة الانسان و انغماسه في حزنه عندما يشعر أنه وحيد في مشكلته و أن معاناته لم يعشها أحد مثله قط.. وكأنه الوحيد الذي يعاني، الوحيد الذي ذاق آلام الفراق و كسر القلب و خذلان المحبين و المقربين ، الوحيد الذي يجلس بلا عمل أو بلا أمل..
بمجرد أن تواجه الانسان بأنه ليس الوحيد الذي يعيش هذه المحنة و أن هناك الملايين من البشر ممن يعانون من هذا الموقف أو ذاك حتى تخف وطئة المشاعر السيئة و يبدأ بالتعافي ولو قليلا
فالمكتئب سيشعر بأن كآبته أهون من كآبة فلان عندما يعلم بمعاناته و أن هناك 350 مليون شخص على مستوى العالم يعانون من الاكتئاب و لكل منهم أسبابه و ظروفه التي لا تحتمل، و الشخص الذي يعاني من الإدمان و يريد التخلص منه سيكون ممتننا لمعرفته بشخص آخر يحمل صراعاته نفسها ، و نفس الأمر لشخص يعاني من حب من طرف واحد أو من شخص فقد عزيز له، كلها أمثلة تساعد البشر على تحمل مشاعرهم المثقلة بالهموم و الأحزان و التي كانوا يعيشونها لوحدهم دون أن يعلموا أن هناك آخرين يعيشونها و ربما بشكل أسوء. كما هو المثل الشعبي القديم ( يلي بشوف مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته)
أدخل إلى أي موقع يتحدث عن معاناتك و شاهد كم المشاركات و التعليقات التي يمكن أن تنشر هناك، قد تصل إلى الآلاف، فأنت لست وحدك.
نعم قد يكون من الصعب مشاركة الألم و الصراعات الشخصية مع الآخرين خوفا من انتقاد أو عدم تفهم أو شعور بالعار أو الضعف و لكن مشاركتها مع شخص يعاني مثلها أسهل على الرغم من أن كل شخص و كل معاناة هي حالة فريدة و مختلفة حتى ردود الفعل اتجاهها تختلف و التعامل معها كذلك و لكن مجرد أن تعلم أن هناك أشخاص يشاركونك ما تشعر به و يستطيعون أن يتفهموا مشاعرك تماما فإنك ستتخطى الأمر تدريجيا
كلما كان الألم و المعاناة محاصرا في داخلك كلما شعرت أنه أثقل و أكبر من أن يحتمل و خوفك من مشاركته مع آخرين قد لا يتفهموه أو ينتقدوه سيجعله يبدو وحشا يحاصرك حتى في أيامك الجيدة و لحظات سعادتك، لكن بمجرد أن تخرجه للعلن و تشاركه مع أشخاص يشبهوك إلى حد كبير بشرط أن يكونوا على قدر من المسؤولية و التعاطف فإن الوحش الكبير سيتحول إلى قزم لن تخافه بعد الآن و لن تواجهه وحدك.
-
Zeina Mkahalاحمل شهادة في علم النفس ، مهتمة بالكتابة و العمل الصحفي الالكتروني و العمل الإنساني ، أؤمن بالتعلم الذاتي
التعليقات
نسعد بمتابعتك ونتشرف بمتابعتك لنا ورأيك أيضا كل التوفيق
مقال جيد احتجت فعلا لقراءته اليوم ،