هل الأسلام هو الحل ؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

هل الأسلام هو الحل ؟

  نشر في 03 غشت 2016 .

بل هو بالأحرى المشكلة ذاتها والعائق الأكبر أمام التقدم..

فالدين يقدم للناس تعزية عن ما يلاقوه في حياتهم من ظلم و عسف ويعدهم بأن لهم في الآخرة الحسني فيثبط عزائمهم و يسهل مهمة من يستبد بهم و يظلمهم.

الناس تتحسن حياتهم المادية عندما يضعون ذلك نصب أعينهم ويكون أولويتهم القصوى ولا يمكنهم تحسين حياتهم بينما عقولهم منشغلة بالغيبيات و يدفعهم إيمانهم لنبذ التعلق بالحياة وإلا تكون اكبر همهم.

قدرة الإنسان على التعلم واكتساب المعلومات و استعمالها محدودة و المعارف الدينية تأخذ منها مساحات أولي بها التعليم العلمي فبينما العالم يبحث ويدرس و يكتشف يغرق المتدينين في نقاشات لا علاقة لها بالواقع المعاش فهو سبب أساسي في عرقلة التقدم.

و الدين عائق إمام المجتمع الحديث متعدد الأديان والأعراق في التجانس القائم على إرادة العيش المشترك وإقامة دولة القانون الشروط الأساسية لنجاح الدول الحديثة ويزكي الطائفية و يقسم الدول إلى إمارات طائفية قائمة على الكراهية و الإقصاء.

ولهذا فالمجتمع المتدين اقل تطورا و تحضرا و ثراء من نظيرة غير المتدين.

هكذا أحتج الصديق العلماني معترضاً على الشعار الشهير الذي يقرر (تعسفياً) أن كافة مشكلاتنا السياسية و الاجتماعية والاقتصادية سببها ابتعادنا عن الإسلام و حلها الأوحد يكمن في العودة إليه , مقدماً شعاره المضاد بان العلمانية هي الحل داعياً للحاق بقطار الحداثة فلا يوجد قطار غيره ولا طريق للتقدم و الرخاء إلا ما سلكه الغرب من قبل , وأول خطوة في هذا الطريق هو الفصل بين الدين و السياسة.

ولكن الكثيرين قد تراجعوا عن شعار فصل الدين عن السياسة نظراً لمناقضة هذا الفصل ماهية السياسة ذاتها في أي تعريف جاد لها فتم تحوير الشعار إلى فصل الدين عن الدولة فانخفض سقف المطالبة من الإقصاء التعسفي للمؤمنين إلى حيدة الدولة وعدم تحيزها على أساس الدين , وهذه الحيدة و المساواة بين المواطنين هي التجسد العملي لمبدأ المواطنة , وهنا تتجلي مفارقة كبري في تلك القناعة الزائفة أن المواطنة منتج علماني صرف وهذا أيضا قول قطاع عريض من الإسلاميين وكان طرفي النقيض اتفقوا ضمناً على هذه الفكرة العجيبة والتي مفادها إن هناك تاريخان متوازيان تاريخ إسلامي بحت و أخر أنساني وان التطور في كلاهما منفصل عن الأخر !

الإسلام لم ينشأ مجتمع من الفراغ و إنما كثير جدا مما ينسب اليوم للإسلام أعراف و تراكيب اجتماعية أما تقبلها الإسلام و لم ينقضها أو اكتسبها المسلمون و أصبحت جزء من ثقافتهم فكيف يمكن القول بان أعراف الجاهلية في جزيرة العرب جزء من الإسلام و الاجتهادات البشرية الحديثة المبنية على التجربة و تحصل المصالح ودفع المضار ليست من ضمنها ؟

وكيف نقبل إن تكون الفلسفة الإسلامية التي بنيت على حضارات الفرس و الإغريق جزء من الثقافة و التراث الإسلامي بينما نلفظ الفلسفات الحديثة ؟

وكيف نعتبر البني الإدارية التي اكتسبها العرب من الفرس و الروم وطبقوها نماذج إسلامية بينما نظائرها العالمية ألان أو في الأمس القريب ليست كذلك ؟

وتستمر تلك القناعات الزائفة في سد سبل التواصل و الفهم تغذيها التحزبات بين الإسلامي و العلماني في صراعهما على ناصية المجتمع التي يسلمها مستبد إلى مستبد و يجد دائما سنداً وداعماً (رخيصاً ) من أحدي الطائفتين يبرر استبداده وقهره وكبته للمجتمع نكاية في الأخر متذرعا بحماية الدين تارة و حماية المدنية ومجابهه الثيوقراطية أخري.

وفى مقابل افتراءات الإسلاميين على العلمانيين الناتجة من قناعتهم الزائفة (وأن ضاق المجال هنا لعرضها ) يراكم العلمانيين قناعات مقابلة بربط التدين بالتأخر ربطاً تعسفياً فهل نعتبر العصر الذهبي للحضارة الإسلامية عصر ضعف أيمان ؟ أو أن مجتمعاتنا التي تدعي التدين قوامها من الزاهدين ؟ أو أن سبب تأخرنا العلمي ليس إفلاس المؤسسات العلمية وغياب التخطيط في التعليم والبحث العلمي بل لأن الطلاب منشغلون بالتفقه في الدين الذي صرفهم عن ملهيات الحياة !

ويبدوا أن سبب ذلك هو النظرة السطحية ( بسبب الأحكام المسبقة ) للأمور فما يبدوا في الغرب نجاحا في إقامة المجتمع الناجح بدون دين يمكن اعتباره إقامة للمجتمع على أساس الدين المدني الذي بشر به جان جاك روسو وهيجل من بعدة حيث تستبدل الدولة الكنيسة و القوانين الأناجيل وكذلك في التجارب الشمولية و الاشتراكية المتعددة كانت الأيدلوجية المسيطرة بها دوما دوجماتية راسخة لا تقبل تشكيك و لا مناقشة مثلها مثل أقصى حالات التطرف الديني حيث يوصم من يشكك بها بالخيانة للوطن او الطبقة و العمالة والرجعية ويلقي مصيرا مفزعاً

وبسبب هذه النظرة السطحية تغفل حقيقة تعدد أنماط التدين فبينما نشهد في التاريخ الإسلامي تنوع فكري كبير يؤكد على أن التطور سواء في الجانب الفقهي أو الفكري لمواكبة حاجات الناس و مستجدات العصر سمة أساسية في هذا الدين و نري في واقعنا اختلافات كبري في مفاهيم و مواقف وأراء من يصفون أنفسهم بإسلاميين أفرادا وجماعات نجد هذا التعميم بغير مقتضي .

ذلك لأن العقائد الدينية و حتى الأيدلوجيات لا تعطى حلولاً جامدة لكل صغيرة و كبيرة وإنما تفوض المؤمنين بها في ابتكار حلول لما يصادفهم من مشكلات في ضوء أيمانهم , وبقدر ما يختلف الناس تختلف قراءتهم للنصوص الدينية و بحسب طبيعة أنفسهم تكون اختياراتهم في تأويلها .

وفى سوق الأفكار يكون الرواج أو الكساد تبعاً لعوامل متعددة تتضافر لتكون طبيعة البيئة الثقافية التي تتقبل نمط من الأفكار و يكسد بها سوق غيرها.

فالأفكار الرجعية والسلبية والتي يموج بها مجتمعنا وتمثل سداً بينه و بين التطور لم تكن لتلقى صدي ألا عند أناس مهيئون نفسيا و ثقافيا لقبولها وكذلك الأفكار الايجابية النافعة لابد أن تجد بيئة تساعدها على الازدهار .

و خير مثال على هذا الأفكار المساندة للاستبداد السياسي و تلك المناهضة له والذين ساروا جنباً إلى جنب طيلة التاريخ الإسلامي حتى يومنا هذا , فلم يعدم أنصار الاستبداد نصوصاً و تأويلات و حجج دينية لتأييد قولهم كما فعل مناهضيه .

وبشكل عملي بحت تبدوا محاولة إقصاء الفكر الإسلامي عن محاولات النهضة عبثية فأننا إن تغاضينا عن مقتضيات الأيمان بقي الإسلام العامل الثقافي الأكبر في مجتمعاتنا فلا يمكن تصور تطويرها من دونه , وحتى أن تصورنا أمكانية حصر الدين في الإطار الشخصي كما يري البعض حلاً لإشكاليات سياسية و اجتماعية متعددة فهذا موقف ديني لابد أن ينبني على قناعات دينية ألا أن استمرت محاولات العلمنة قسراً التي لم تنجح إلا في تعميق المشكلات و سد أفق حلها و ترحيلها ليتحمل أوزارها أجيال قادمة كما دفع ويدفع جيلنا فاتورة أوزار سابقيه مع فاتورة أخطاءه .

فالأولي إيقاف محاولات إقصاء الدين والتي لم تلقي ألا الفشل طوال القرن الماضي والتحول إلي دعم أنماط أكثر ايجابية من التدين تحقق أثرها كعامل نهضوي في المجتمع الذي لن يشهد تطوراً حقيقياً إلا بتغير حقيقي في ثقافته ونمط تدينه .

ولا نحتاج لتحقيق الأثر المنشود إلى استحداث فكر وخطاب أسلامي جديد يلائم متطلبات العصر و يحقق أمال الناس في العدالة و الرخاء ويواجه الأفكار الظلامية, لأنة ببساطة موجود فقط يحتاج من ينفض عنه التراب ويسوقه كما ينبغي , ولكننا لن نجد شيئاً أن لم تكن لدينا إرادة العثور عليه .    



   نشر في 03 غشت 2016 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا