أنت من سوف يصفر
السوق الأسبوعي
نشر في 20 شتنبر 2015 وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .
ذات يوم كنت راجعا على متن القطار، من مديني الصغيرة القصر الكبير إلى الرباط حيث كنت أدرس. ارتفع صوت منبه القطار مخبرا المسافرين عن اقترابنا من محطة سوق الأربعاء، و كان معنا فرنسيا في المقصورة، و مباشرة بعد انتهاء الإعلان سألنا بلطف إن كان الجزء الثاني من إسم المحطة القادمة له علاقة بالسوق -souk-، فأجبناه بالإيجاب و كعادتنا نحن المغاربة أطنبنا في الشرح و شرحنا له معنى الجزء الأول أيضا، كون السوق الأسبوعي بهاته المدينة يعقد كل أربعاء.
قد يتساءل أبناء جيل اليوم عن جدوى السوق الأسبوعي، و محلات البقالة تعم أرجاء المدن و البوادي الآن؟ ما لا يعلمونه هو أن الأمر لم يكن كذلك في السابق.
فخلال طفولة والدي لم يكن هناك دكان بالمدشر و كان السوق الأسبوعي هو المورد الوحيد لاقتناء حاجيات البيت الضرورية، و لم يكن في استطاعة الجميع أن "يسافر" أسبوعيا لأقرب سوق أسبوعي، لذلك جرت العادة أن يفوض السكان عملية التسوق لبعضهم البعض.
قصة اليوم عن أحد الأشخاص الذي اعتاد أن يخرج كل اسبوع لهذا الغرض، و في ليلة السوق كان من الطبيعي أن يقصده الكثير حتى يخبره بطلباته، ها هو الحاج إبراهيم يرفع صوته : " لا تنس أن تجلب لي التبغ الرفيع" ، و هو يجيبه "حاضر"، أما عبد الله فكان طلبه له علاقة بالمطبخ، و أجابه "حاضر" ، و تكررت الطلبات و تنوعت و صاحبنا يجيب كل مرة "حاضر، حاضر ، حاضر ...."
إلى أن جاء صبي صغير يجري ممسكا بشيء ثمين في يده لم يعرفه أحد و هو يصرخ بقوة "عمي، عمي ، إنتطرني من فضلك"، فاستدار الرجل مندهشا من قوة و عزيمة الصبي المتجلية في سرعة ركضه و علو صوته و خاطبه : " ماذا تريد يا بني ؟ " ، فما كان من الصبي إلا أن وضع القطعة النقذية التي كان ممسكا بها بعناية في يد الرجل و خاطبه بكل ثقة : "أرجو إن تحضر لي صافرة معك من السوق إن كان الأمر لن يشق عليك، و احتفظ بالباقي جزاء خدمتك" فابتسم الرجل و طأطأ على رأس الصبي قائلا : "أنت من سوف يصفر يا بني، و كأنها في فمك الآن ".
فتفاجأ من كان حاضرا أولا من تصرف الصبي، و ثانيا من جواب الرجل الذي كان مختلفا عن الكلمة التي تعودو سماعها : "حاضر".
بعد صلاة العشاء انبرى بالرجل أحد اصدقائه الحاضرين على المشهد بعد المغرب، و طلب منه تفسير ما حصل، فابتسم الرجل أولا ثم بدأ في الضحك و ارتفع صوته بلا مبرر، و بعد أن مرت موجة الضحك الهستيرية أجابه : " لقد مملت من طلبات السكان المتكررة، و هم لا يراعون أنني لا أملك سوى حماري و لا يترددون في طلب جلب اشياء كثيرة و ثقيلة، و هم يدركون أن راس مالي ليس بالكثير و مع ذلك لا يعيرون اهتماما للمقابل المادي الذي أدفعه في السوق، و الأقبح من ذلك أنهم يماطلونني في الأداء دون مبرر، الطفل ببراءته و فطرته فهم كل هذا و استبق الأحداث و جلب معه مقابل البضاعة و ترك لي هامش الخدمة". شعر حينها الرجل بالخجل فقذ كان ممن أكرمه بالطلبات دون أن يراعي أي شيء مما قال، فما كان منه إلا أن دس يده في جيبه و أخرج صرة بها بعد المال و أعطلا الرجل قيمة المشتريات التي طلبها منه بعد المغرب.
في كثير من الأحيان نسلك سلوك بقية الناس اتجاه أحلامنا، فلا نقوم بأي مجهود و لا نتهيؤ لاستقبال طلباتنا، و المرات القليلة التي نحذو فيها حذو الطفل نتفاجأ بالنتائج العجيبة التي نحققها، فأي الفريقين تريد الإنضمام له؟ الصبي أم سكان المدشر ؟
-
ضياء الحق الفلوسطالب علم في مدرسة الحياة. مولع بسباقات الطريق مولع بالبرمجيات و مسابقات البرمجة و التكنولوجيا الحديثة. مولع أيضا بالتدوين والرسم والتصوير.