بعد وفاة محمد صلى الله عليه وسلم ، القائد الأعظم و المحب المُخلص ، إنقسمت الأمة و توفرت شروط كادت تساهم في فناء الوحدة وسقوط الدولة ولولا قدوم رجال كعمر وأبي بكر وغيرهم من أفاضل الرجال من تداركوا الأمر و كانوا سببا في صلاح الأحوال سواء بدهائهم أو تقربهم من المُشّرع لكان الأمر مختلفا على المسلمين .
إختلفت شؤون المسلمين و تغيرت أحوالهم و كان كل ذلك باعثا للتغيير و التجديد ، فجاء عمر و أمر بالتوقف عن قطع الأيادي لأجل مسمى ، ثم أمر بالتوقف عن كتابة الأحاديث النبوية وكذا عدم تدوينها ، و جُمِع القرءان في مصحف ثم زُيِّن بالرسوم العثمانية . إنبثقت المذاهب و اختلف العلماء والرجال و إمتزجت الفلسفات و طُوّرت و كل ذلك كان نتيجة حتمية طبيعية لأي دين يقبل التجديد أو التأويل ، ولا شك أنه سبب وفره الله ليغرق البشر في كثير من التجارب وربما لنفهم أكثر معنى الدراما الانسانية .
لا أحد يخفى عليه حقيقة أن المتكلمين منهم المعتزلة و غيرهم من الفلاسفة المسلمين كانوا حصنا منيعا على دين المسلمين رغم كل ما تعرضوا له من ظلم كغيرهم من الفلاسفة ، الذين تواجدوا في مختلف أقطار العالم . ومن صُورِ دفاع المعتزلة عن الإسلام أن رجلا من السُّمَنِيَّة ، سأل قاضيا مسلما بحضور ملك السند السؤال الآتي : أخبرني عن معبودك هل هو القادر؟ قال نعم، قال: أفهو قادر على أن يخلق مثله ؟ فقال: هذه المسألة من علم الكلام ، وهو بدعة ، وأصحابنا يُنكرونه . أما الخلفية هارون الرشيد ، و لما بلغه خبر هذه النازلة ، قامتْ قيامته، وضاق صدره ، وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه ؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين، هم الذين نهيتهم عن الجدال في الدين ، وجماعة منهم في السجن، فقال: أحضروهم، فلما حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة ؟ فقال: صبي من بينهم : هذا السؤال مـُحَالٌ ، لأنَّ المخلوقَ لا يكون إلاَّ مُـحدثا ، والـمُحْدَثُ لا يكون مثلَ القديم ، فقد استحال أن يقال : يقدر على أن يخلق مثله أو لا يقدر، كما استحال أن يُقال: يقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً. فقال هارون الرشيد: وجهوا هذا الصبيَّ إلى السند حتى يناظرهم”.
هكذا هي أصول ديننا ، أصول ثابتة مبنية على الحجة و التأمل الغير المنتهي ، ولا يكاد يختفي هكذا رجال متميزين حتى ينبثق نوع جديد منهم ، آتين بسلطان مبين و حجة دامغة . وقد شهدت كل عصور الأمة أناس مثلهم يخرجون إلى العامة و الخاصة صارخين و وهم منذرين متكلمين بالحق .
واليوم وحمدا لله ، نرى الكثير منهم ، سواء على شاشات التلفاز أو منابر مواقع التواصل الإجتماعي ، يهدمون العقائد الباطلة تارة و يدافعون على الإسلام تارة أخرى ، و لا شك أن كل واحد منهم يفكر في نفسه ويقول : كيف كان ، أو ماذا كان سيكون أو يقول القاضي عبد الجبار أو عمر أو ابن رشد او الغزالي أو محمد أو ابن سينا أو الرازي لو علم أن التكنولوجيا و العلوم قد نفت هكذا مبدأ و ثبتت هكذا إعتقاد .
كحال هارون الرشيد لما سمع كلام السمني هو حال شيوخ الإسلام الذين لا يتوقفون عن الوعظ و الذين أحيانا يقدمون حججا تضحك الصغار قبل الكبار . فالحمد لله على وجود أناس آخرين يناضرون بالعلم ، و يحكمون بالحجة الساطعة ، كمن قيل له المسلمون غازون مُحتّلون فأجاب بقوله بل الإمبراطوية الإسلامية هي الأقوى ، ومن قيل له أن آدم وحواء أسطورة فأجاب بفهمه فهما حقا للتطور ثم دعم حجته بأسس من نظرية الأكوان المتوازية . يعتقد الكثير أن العرب متخلفين ولا سبيل لهم للإستيقاظ لكن أجيبهم بقولي أن العلم خزانة مفاتيحها السؤال و أن الله أحب كل باحث بين كتب العلم ومجالس العلم الحقيقية ، وأن معالم الخير و الأمل موجودة بين كثير من شباننا العرب الذين يحاربون الألم تحت شروط صعبة ووفق عقلية إسلامية أصيلة ، وكلامي يشمل حتى من إنحرف منهم عن طريق الإسلام ثم انتهى به الأمر قائلا " طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلاّ لله " .
أنهي كلامي بقولي اللهم أحبنا و أحببنا فيمن أحببت و فيما أحببت ، اللهم زدنا عزا ونصرا وقنا عذاب النار .