مفهوم القدر في القرآن العظيم - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مفهوم القدر في القرآن العظيم

  نشر في 12 غشت 2020 .

مفهوم القدر في القرآن العظيم : القدر في إطاره اللغوي يدور حول دلالات الإستطاعة والقوة والإحاطة والمعرفة بالشيء ..فالتقدير يحمل معنى تحديد الشيء عَلَى مَبَلغِهَ وَنِهَايَتِهَ بعلم مسبق ﴿نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين﴾، ﴿والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم ﴾ ﴿وَخَلَق كُلَّ شَیۡءࣲ فَقَدَّرهُ تَقدِیرࣰا﴾ ويحمل معنى الإحاطة حول الشيء قوة وعلماً ﴿ویعلم ما فی السمـٰو ٰ⁠ت وما فی الأرض والله علىٰ كل شیء قدیر﴾، ﴿وما كان الله لیعجزهۥ من شیء فی السمـٰو ٰ⁠ت ولا فی الأرض إنهۥ كان علیما قدیرا﴾ والتضييق عليه ﴿الله یبسط الرزق لمن یشاء ویقدر﴾ ،﴿وأما إذا ما ابتلاه فقدر علیه رزقه﴾ ويحمل معنى معرفة ووصف الأمر حق الوصف و المعرفة ﴿وما قدروا الله حق قدره﴾، وبناء على هذه المقدمات القرآنية نقول أن القدر الالهي باختصار يعني أن كل شيء وكل حركة في هذا الكون ، وكل أعمال البشر سيئة أم حسنة ، كلها لا تخرج ابداً عن علم الله تعالى وحكمته وسلطانه.

هناك وجهان للقدر ..

– القدر المجرَّد عن المادة والزمان والمكان ، ويعني عِلم الله تعالى المطلق والكاشف لما كان وما يكون وما سيكون ..فالله تعالى له الوجود المطلق في الماضي والحاضر والمستقبل .بمعنى : أن الله تعالى لا يرى أزلاً أحداث الوجود والبشرية بالتتابع والتوالي والتعاقب ..وإنما رؤية مطلقة واحدة تحيط بالماضي والحاضر والمستقبل ولذلك فهذه الرؤية الواحدة المطلقة هي القدر ..وما علمه الله تعالى أزلاً وما أراده أزلاً قد سجله وحدده في أم الكتاب . الله تعالى له الوجود المطلق في ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله ، فالله العظيم لا يرى_ أزلاً _ قصة حياة الإنسان بالتتابع والتوالي والتعاقب وإنما رؤية مطلقة واحدة تحيط بماضيه وحاضره ومستقبله وهذه الرؤية المطلقة الواحدة هي ( القدر ) ، ولذلك ، فمصير الإنسان في الآخرة ، كله متعلق بهذه الرؤية الإلهية المطلقة الواحدة لوجود الإنسان في حياته الدنيا ..﴿ وَما يُعَمَّرُ مِن مُعَمَّرٍ وَلا يُنقَصُ مِن عُمُرِهِ إِلّا في كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسيرٌ﴾[فاطر: ١١].. لننظر في هذه الآيات كيف تصور لنا القدر المجرد عن المادة والزمان والمكان : ﴿﴿ فإذا نفخ فی الصور نفخة و ٰ⁠حدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة و ٰ⁠حدة فیومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهی یومئذ واهیة والملك علىٰ أرجائها ویحمل عرش ربك فوقهم یومئذ ثمـٰنیة یومئذ تعرضون لا تخفىٰ منكم خافیة﴾﴾ إننا نرى في هذه الآيات تصوير لأحداث وجزئيات يوم القيامة والتي لم تقع بعد ..وذلك من منظار علم الله تعالى المطلق المجرد عن الزمان والمكان ...وأيضا في العبارات الكريمة التي تصور من منظار علم الله تعالى المطلق معاينة الذين كفروا الوعد الإلهي للحشر وإصابتهم بالحزن الشديد . مع أن ذلك لم يحدث بعد : ﴿فلما رأوه زلفة سیـٔت وجوه الذین كفروا وقیل هـٰذا الذی كنتم بهۦ تدعون﴾

– القدر المتعلق بعالم المادة والزمان والمكان ، وهذا الوجه المادي للقدر يعني خروج عالم الوجود الحسي ..لحظة الآن .. إلى الوجود في كل لحظة ..عبر إعطائها حيثيات وجودها ، وذلك بقدرة  الله تعالى ..﴿﴿ومن ءایـٰته أن تقوم السماء والأرض بأمرهۦ ﴾﴾ نلاحظ ورود كلمة ﴿ تقوم ﴾ بصيغة المضارع..فهي تصور خضوع المادة في لحظة الآن لقدرة الله تعالى فهي مرهونة لقدرته سبحانه..يعطيها حيثيات وجودها في كل لحظة...ويعني أيضاً العلم الالهي المشاهد للوجود الحسي الحالي ، وإحاطة قيومية الله تعالى ومشيئته لذلك الوجود الحسي .﴿﴿.ویعلم ما فی البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا یعلمها ﴾﴾ فكلمة ﴿يعلم ﴾ ترد بصيغة المضارع ..فهي تصور العلم الالهي المشاهد لما يحدث الآن ما في البر والبحر. لننظر في الاية الكريمة كيف يتجلى معنا القدر بوجهيه المعنوي والحسي :﴿إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾[النحل: ٤٠] فالوجه المعنوي للقدر، يتعلق بالعبارة ﴿ انما قولنا لشيء اذا أردناه ﴾ فهذا الشيء قبل خروجه وإيجاده في عالم الحس ، موجود أزلاً في علم الله تعالى المطلق ، وأراده الله تعالى بإرادته المطلقة ..وأما الوجه الحسي للقدر فيتعلق بالعبارة ﴿ أن نقول له كن فيكون ﴾ فهذا الشيء الموجود ازلا في علم الله تعالى المطلق ، والذي أراده الله تعالى المطلق.. يوجده الله تعالى في الوجود الحسي ﴿ بقدرته ﴾ ..فكلمة ﴿ فيكون ﴾في العبارة ترد بصيغة المضارع ..فهذه الصيغة تصور خروج الشيء من ساحة قدر الإرادة إلى ساحة قدر المشيئة . فهذا الوجود الحسي الذي نراه الآن ، وكل ما يحدث من حركة ، وحادثة ، وصوت , وكل عمل متشيء للإنسان ، وكل ما توسوس به النفوس الآن .. هو الوجه المادي للقدر ، وهذا الوجه سبقه القدر المجرد عن الزمان والمكان ..الذي هو العلم الالهي المطلق والارادة الالهية المطلقة. من هنا نفهم معنى الاية الكريمة ﴿ إِنّا كل شيء خلقناه بقدر ﴾[القمر: ٤٩] ، فكلمة ﴿ بقدر ﴾ تعني القدر المجرد عن الزمان والمكان ..العلم الالهي المطلق ، الارادة الالهية المطلقة ..فبناء على هذه الارادة الالهية والعلم الالهي المطلقين ، تم خلق كل شيء ..وايجاد كل شيء ..وهذه الاية الكريمة تناظرها عبارة قرانية أخرى وهي ﴿ يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ ﴾ [الرعد: ٣٩]..فهذه العبارة تبين لنا أن ظهور الأشياء في الوجود أو محوها من الوجود ..كمسألة المرض والعافية والموت والحياة ..إلخ وذلك﴿ بمشيئة ﴾ الله تعالى ﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾ مبني على العلم الالهي المطلق والارادة الالهية المطلقة ﴿وعنده أم الكتاب ﴾ .

و العبارة القرآنية ﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾[البقرة: ٢٠] والتي تكررت في القرآن الكريم مرات كثيرة ، فهي ، بلا شك ، تعني القدر ، فهذه العبارة..تعني أن كل شيء يحدث لا يخرج عن علم الله تعالى أبداً ..سواء العلم الإلهي المطلق ..أم العلم الإلهي المشاهد للشيء ..فكل شيء يحيط الله تعالى به قوة وعلماً..ويعرفه حق المعرفة .

–ولننظر في العبارة القرآنية : ﴿ألم تعلم أن الله یعلم ما فی السماء والأرض إن ذ ٰ⁠لك فی كتـٰب إن ذ ٰ⁠لك على الله یسیر﴾ [الحج ٧٠]..فالعبارة ﴿ أن الله یعلم ما فی السماء والأرض ﴾ تصور لنا القدر المادي ..قدر المشيئة ..المتعلق بالمادة والزمان والمكان..بدليل ورود كلمة ﴿ يعلم ﴾ بصيغة المضارع..فالعلم الإلهي المعني هنا هو العلم الإلهي المشاهد للشيء في لحظة الآن...والعبارة ﴿إن ذ ٰ⁠لك فی كتـٰب إن ذ ٰ⁠لك على الله یسیر ﴾ تصور لنا قدر الإرادة الإلهية المطلقة والعلم الإلهي المطلق الذي هو القدر المجرد عن المادة والزمان والمكان ..وهذا المفهوم ينطبق تماماً على دلالات العبارات: ﴿ ویعلم ما فی البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا یعلمها ولا حبة فی ظلمـٰت الأرض ولا رطب ولا یابس إلا فی كتـٰب مبین﴾ [الأنعام ٥٩]...﴿ وما یعزب عن ربك من مثقال ذرة فی ٱلأرض ولا فی السماء ولا أصغر من ذ ٰ⁠لك ولا أكبر إلا فی كتـٰب مبین﴾ [يونس ٦١]...﴿ وما من دابة فی الأرض إلا على الله رزقها ویعلم مستقرها ومستودعها كل فی كتـٰب مبین﴾ [هود ٦]

–ولننظر في العبارة القرآنية :﴿ وما یعمر من معمر ولا ینقص من عمرهۦ إلا فی كتـٰب إن ذ ٰ⁠لك على ٱلله یسیر﴾ [فاطر ١١] فالعبارة القرآنية ﴿ وما یعمر من معمر ولا ینقص من عمرهۦ ﴾ تعني أنه في كل لحظة تمر يزيد عمر الإنسان..وفي ذات الوقت ..يقترب أكثر من أجله .. والدليل هو ورود كلمة ﴿ یعمر ﴾ ﴿ ينقص ﴾ بصيغة المضارع..وعمر الإنسان من المهد إلى اللحد..يراه الله تعالى في علمه المطلق الأزلي رؤية واحدة ..فالله تعالى له الوجود المطلق في ماضي الإنسان وحاضره ومستقبله .. ﴿ إلا فی كتـٰب إن ذ ٰ⁠لك على ٱلله یسیر﴾

الفارق الجوهري بين القضاء و القدر هو أن القضاء لا يحمل الشر إطلاقاً لأن القضاء كما يصوره القرآن الكريم هو الحكم والفصل والإنتهاء والإتمام..﴿فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ ﴾ ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا ﴾﴿ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ فحكم الله تعالى وفصله لا يحمل الشر ..في حين أن القدر يحمل الشر والخير معا..لأن القدر في النهاية هو علم الله تعالى المطلق للأشياء والأمور وقيام السماوات والأرض وأسباب السوء وأسباب الخير بقدرة الله تعالى. هذا الفارق الجوهري بين القضاء والقدر نراه يتجلى في الايات الكريمة : ﴿ وَإِن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِكَ قُل كُلٌّ مِن عِندِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ القَومِ لا يَكادونَ يَفقَهونَ حَديثًا۝ما أَصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفسِكَ وَأَرسَلناكَ لِلنّاسِ رَسولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهيدًا﴾[النساء: ٧٨-٧٩] فالعبارة القرآنية : ﴿ وَإِن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِكَ ﴾ تلقي الضوء على القدر ..الذي يفيد علم الله تعالى بالأشياء وقيومية الله تعالى على عالم الأسباب وقيامها بقدرته ..وهؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا يرجعون أسباب حدوث السيئات إلى الرسول عليه السلام ..مع أن أسباب الخير وأسباب السوء ..كلها تعمل بقدرة الله تعالى ﴿ قدر ﴾ ومن هنا نرى عظمة البيان القراني في الرد عليهم :﴿قُل كُلٌّ مِن عِندِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ القَومِ لا يَكادونَ يَفقَهونَ حَديثًا﴾ فاسباب الخير وأسباب السوء كلها تعمل بقدرة الله تعالى ﴿ قل كل من عند الله ﴾..فكلها من القدر الإلهي . والعبارة القرآنية : ﴿ ما أَصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ ﴾تلقي الضوء على مفهوم القضاء ..فالقضاء يعني الحكم والفصل والاتمام والانهاء والتوصية..والقضاء الالهي هو منهج الله تعالى والإرادة الالهية الشرعية ..و أوصى الله تعالى البشرية بأن يتبعوه ...فهذا القضاء لا يحمل إلا الخير المطلق ...ولذلك فما أصاب الانسان من حسنة فيعود ذلك إلى دفعه للأسباب وفق منهج الله تعالى..وما أصابه من سيئة فمن دفعه للأسباب عصياناً لمنهج الله تعالى.



   نشر في 12 غشت 2020 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا