عندما تمتلك الأسلوب وتعدم الفكرة - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

عندما تمتلك الأسلوب وتعدم الفكرة

  نشر في 21 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .


عندما تمتلك الأسلوب وتعدم الفكرة

نادتني الورقة، وقفز القلم إلى يدي ملتمسا تلك الفسحة التي ينفض فيها غبار الملل. مضى وقت طويل -كأنه عهد- وأنا لا أملك الفكرة التي قد تنساب لها السطور بكل تلقائية ولياقة .

وقد كنت في ذي قبل لا أعتق القلم إلا بإلحاح من يدي التي تتجمد فيها العروق من الشد عليه ، وكنت أقضي ساعات في الكتابة؛ أفرغ بها ما تنوء به النفس من تعب وما يثقل كاهل الفكر ويؤرق الوجدان .

عندما تمتلك الأسلوب والفكرة معا لا يعوقك شيء لتكتب وتكتب، وتجد في نفسك تلك الرغبة المتأججة لإخراج طاقاتك الإبداعية على ورق أبيض القلب رحب الصدر، فالقلم حينها يكون طائعا، ويكون الورق مستعدا للاحتواء جاهزا للامتلاء، ولا يبقى غير تلك اللمسة الأخيرة الأنيقة التي تضيفها عند المراجعة، لعل خطأ في الإملاء غافلك بسبب السرعة في التفريغ على الورق أو بسبب الرقن المتسارع، أو لربما سهوت عن علامة ترقيم هنا أو هناك، أو وجدت أن كلمة من الكلمات قصرت في التعبير، فتبادر باستبدالها بأخرى أبلغ منها. ومن تم تخرج موضوعك للعلن، تنشره نابضا بروح وشكل رسمتهما بخيالك الخلاق، ويحتل مكانة له في قلوب القراء. .

لكن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما تعز الفكرة، فتجد نفسك ضائعا في فراغ مهول، تلاعب القلم وتداعب الورق، كأنك تدعك في مصباح علاء الدين ليخرج لك بفكرة تكتب عنها ، لكن، دون جدوى! فالمصباح بطل سحره ! والقصور التي كان الجني يبنيها لك بطرطقة من أصبعك لا وجود لها حتى في خيالك الذي أظلم بغتة، والأبواب التي كانت تفتح لك بين طرفة عين وانتباهتها سدت في وجه فكرك ، تذرع المكان جيئة وذهابا ويلف رأسك سبع لفات ولا تخرج بفكرة يتيمة تكتب عنها. .فيصيبك الأرق والقلق، وتتوجع الوجع الأكبر ومخاض الفكر لا يسفر عن مولود لان أفكارك أصبحت عجوزا عاقر.

قلت لنفسي في حوار معها -فأنا أتخذ منها رفيقة عندما لا أجد من أحاوره -

-من تظنينه يا نفس أصعب على الكاتب مواجهته؛ أن يعدم الفكرة أم الأسلوب؟

فقالت مستغربة :

-الأسلوب طبعا!

ومضيت مستطردة في حواري معها:

-وما نفع أسلوب جميل إذا كانت الفكرة جوفاء؟ بل إننا لن نستطيع أن نخط كلمة، ما لم نمسك بأول خيط الفكرة! الفكرة روح والأسلوب جسدها الذي تتمثل فيه؛ بدون روح يكون الجسد ميتا بلا شك.

قالت :

-الأسلوب موهبة، الأسلوب إبداع يتكثف ويقوى بالممارسة وهو إما موجود بالأساس لنصقله أو فلا وجود له فلا حل إذ ذاك غير اعتزال الكتابة .

أما الفكرة فهي مشاع بين العقول، بل إن أفكار الآخرين قد تكون منطلقا للكتابة، ويكفي عندها أن نغير من الأسلوب ونطور الفكرة لكي نخرج بملكية خاصة، وذلك في الأدب وارد وجائز .

عندما نقرأ لشخص كتب عن فكرة معينة قد تعجبنا الفكرة و لا يعجبنا الأسلوب الذي ألبسها إياه، حينها نستطيع اقتباس الفكرة والكتابة عنها بأسلوبنا، وسوف يتخذ الموضوع تدريجيا ملامحنا الشخصية في الكتابة ..

إن الأفكار مشتركة أما الأساليب فمتجددة متعددة بعدد الأقلام التي تكتب ..

وانتهى الحوار ولم نصل إلى اتفاق..

فهل تظنون كما تظن نفسي أن الأسلوب هو الأهم؟أم تظنون كما أظن أن الفكرة هي الأساس؟ أم أن لكم رأيا آخر بهذا الشأن؟ 


  • 17

   نشر في 21 فبراير 2020  وآخر تعديل بتاريخ 30 شتنبر 2022 .

التعليقات

شدني مقالك الباتع ، بافكاره الرفيعة، وصياغته الانيقة .. بورك هذا القلم النقي والندي وسيكون لي شرف متابعة ما تجودين به من درر فيها عمق التفكير وحسن وجودة في التعبير .
وبخصوص موقفي من اشكالية الموضوع ، اعتقد شخصيا ان الفكرة/ المضمون / الرسالة هي قبل كل شيء مسؤولية ، وأمانة ، اما الاسلوب فهو وعاء ووسيلة ، تتوقف عليه درجة ابلاغ الكاتب وبلوغه اهداف الرسالة ومحتواها ،
فان كان المضمون شريفا والاسلوب منحطا ، ما بلغ المُرسِل المقصود ولابلَّغه .
وان كان المضمون خسيسا والاسلوب أخس منه ما حقق منه الا البشاعة بكل صورها .
وان كان المضمون باهتا او ضعيفا ، والاسلوب بايعا و قويا ومنيرا ، استطاع به المرْسِل - على الاقل - ان يُجلي المضمون ، وان يقربه ويوضحه الى المتلقي .
واما ان اجتمع المضمون الشريف ، الرفيع ، مع الكلمة العفيفة والنقية والعالية ، والاسلوب البليغ والرفيع ، فقد يبلغ بها المرسِل / الكاتب مقام الانبياء ، ودرجة الادباء ، ورزانة الحكماء ، وقوة وغصاحة البلغاء ، ويحقق بها وقعا اثرا يعجز الحكي والوصف ان يلم بتفاصيل سحره ،ولذته ،و قوة تاثيره، في عقل ،ووجدان المتلقي .
واختم بما بدأت ، باني قد استمتعت وسعدت بطرحك وتعبيرك الجميل .
مع تحيات
الاستاذ محمد خلوقي من المغرب.
1
عائشة إبراهيم
الأستاذ الكريم محمد خلوقي، بل كل الشرف لي بحضوركم الراقي وإضافتكم الثرية. أرجو أن أكون عند حسن ظنكم بقلمي. مع بالغ الشكر والتقدير
لمى منذ 2 سنة
الأسلوب مغناطيس للقلوب، فهو يزهّي الفكرة وينمّقها وإن كانت رديئة، وإن كانت الفكرة هي الأهم والمطلوب.
2
عائشة إبراهيم
أبدعت بالتعبير لمى، هو حقا مغناطيس القلوب.
الكل باستطاعته ان يفكر و لكن لا يستطيع الكل ان يكتب ، الاسلوب هو الذى يميز كاتب عن كاتب اخر ، و لو كانت نفس الفكرة ، احسنتى
1
عائشة إبراهيم
وافر الشكر لك لأنك توقفت هنا وتركت نفحة طيبة
Ahmed Emam منذ 3 سنة
أتفق جدا معكِ أن أشد ما يؤلم الكاتب هو فقد الفكرة التي يكتب عنها قلمه، فيما يسمونه بمشكلة الكاتب أو معضلة الصفحة البيضاء أو ما شاءوا من أسماء، المهم أنها تؤلم ! وهل يخفف من حدة الألم أن نسميه ؟!
أيضا أعتقد أن الأسلوب أهم -في بعض الأحيان من الفكرة-، وبالمناسبة يمكن أن أكتب قريبا عن نفس موضوعك، ومن سرق شيئا ثم استرقّه فقد استحقّه !!
فقط أمزح يا عائشة :D :)
أدام الله إبداع قلمك..
5
عائشة إبراهيم
لابأس بذلك، فالفكرة كما سبق وذكرت في المقال هي مشاع بين العقول، ولاشك أنك ستلبسها حلة جديدة بأسلوبك الرائع.
Dallash منذ 4 سنة
ماشاء الله اختي عائشة...حفظك الله
3
عائشة إبراهيم
وإياكم أخي..ممتنة لقراءتك
لا يقطع الله نبض قلمك اختي الفاضلة المحترمة سترك الله وحفظك
بوركت جهودك
4
عائشة إبراهيم
وفيكم بارك الله. .أكرمك الله أخي
Muner naser منذ 4 سنة
مقال من الصميم
تحياتي العطرة
4
عائشة إبراهيم
أنرتم المقال بمروركم. .جزاك الله خيرا
حياة محمود منذ 4 سنة
الفكرة مِدَادُها العقل، والأُسلوب مِدَادُهُ القَلب،و هل يَنفصل القلب و العقل؟! ، بِرأيي لا يَنفَصلان.و لطالما كان الإثنان توأماً مُختلفاً لروحٍ واحدة،صِراعهم مُحتَدم و اِختلافُهم مُستمرٌ و قَائم،لكن غياب أحَدهم عن الآخر يعني النهاية لحياةِ الروح والجسد فينا،وهكذا هي الكِتابة الأدبية بِمَعناهَا الفِعْلي (إنْ كُنتِ تُريدينَ لِروح الكاتبة لديكِ أن تَمخَض بِمولود جَديد كما ذكرتِ على الفكرة و الأُسلوب أنْ يَجتَمِعَين معاً،حينها فقط يَخرجُ نَص أدبي بِجوانِبه المُتَكاملة،و إلا يَبقى النَص نَاقص..غَريب عَنكِ ..ليس مِنكِ ..لا يَنتمي لكِ ).
9
عائشة إبراهيم
جميل هو هذا الرأي التوافقي الذي يضع الفكرة والأسلوب في كفتين متعادلتين، والذي يؤكد أهميتهما معا وعلى حد سواء..أسعدتني مشاركتك برأيك أختي الكريمة.
Shoroq Kamel
انا قارئة و لا اكتب الا في المجال الثقافي و التاريخي واكثر ما يهمني عندما اقرأ الاسلوب
عائشة إبراهيم
يقول الكاتب الفرنسي بوفون :"الأسلوب هو الرجل" كأنه يريد أن الأسلوب هو الذي يميز كاتبا عن آخر ..
أختي شروق، الذوق الأدبي فن لايملكه كل القراء.
حسن زمراوي
الأخت عائشة:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …

اشتركت في هذا المنتدى اليوم وأنا في رحلة سفر من مدينة كولومبوس لمدينة شيكاغو الأمريكية، ولكم سعدت واستمتعت بقراءة مقالك الشيق هذا؛ الا ان التعب يتملك كل كياني وحان ساعة النوم … وقطعا سأعود لتحفتك هذه لأقرأه مرة أخرى ثم أدلو بدلوي ان شاء الله.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا