بعيدا عن الأخبار البراقة و الخطابات الرنانة التي يصدح بها الإعلام عن المغرب المُشرق،الذي يعج بصرخات الحداثة المبهرة في عصر النهضة و التطور،و بعيدا عن فورة المشاريع التنموية المحدثة أو المزمع إحداثها مستقبلا في مختلف ربوع الوطن،هناك وجه آخر للمغرب المُشرق..مغرب منسي متقوقع في الهامش،لا تصله المواصلات ولا تذكره الخرائط وتخاصمه الحضارة،في قلب الدواوير والمداشر والقرى النائية يقطن السكان وسط عزلة موحشة في كهوف مهترئة، تنتفي فيها شروط العيش الإنساني مع غياب أبسط شروط الحياة الكريمة،يتخبطون في همومهم ومشاكلهم التي لا تمت لهمومنا و مشاكلنا بصلة، بينها تصدم أحلامهم البسيطة المختلفة تماما عن أحلامنا بجدار الواقع المر.
في تلك البقاع من الوطن يرزح الناس من الحرمان و التهميش، يتحملون صلف العيش و قلة الإمكانيات و وعورة الطرق من أجل شربة ماء و كسرة خبز لإطعام عدد من الأفواه الجائعة،يتحدّون قساوة واقعهم وعزلتهم بالرغم من انعدام البنيات التحتية الضرورية، فلا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات غير دواب بئيسة تؤدي خدمات لا غنى عنها،بالاضافة إلى بعد المستشفيات بآلاف الكيلومترات التي لا يكاد المرضى أو النساء الحوامل الوصول إليها حتى تغادر أرواحهم إلى بارئها.
هناك يعيش أطفال أبرياء ينهشهم البؤس في عمرالزهور،يخبؤون خلف ابتسامتهم دموع قهر صامتة، فاكراهات محيطهم و بعد المدارس عنهم يحول دون إتمام الصبيان لدراستهم،أماالفتيات فيتركن أقسام الدراسة مبكرا ليتم إعدادهن للزواج بالرغم من صغر سنهن،فيصبح دورهن مقتصرا على تربية الإخوة الصغار والقيام بأعمال السقاية والحطابة والجني والزراعة والحصاد إلى جانب أمهاتهن،بدلا من متابعة تعليمهن و ممارسة طفولتهن بكل تفاصيلها من لعب و لهو كباقي الأطفال.
مهما حاول الكثيرون في تخفيف وطء التفاوت من خلال تنظيم حملات إغاثية تشمل الألبسة والأطعمة والأغطية التي قد تساهم فقط في رفع ضيق مؤقت،فإننا نظل بين مغربين متناقضينفالأول مغرب مشع بمظاهر الحداثة سائر في خطى ثابتة نحو التنمية والتطور، أما الثاني مغرب مظلم لا تصله أضواء الإعلام إلا نادرا، يئن بلا صدى من الإهمال و الفقر المدقع،فلا تدخلات من الدولة المدنية التي تمضي قدما للحاق بقطار الغرب السريع المتطور، تاركة وراءها كماً هائلا من المهمشين على حافة النسيان.
يبقى واقع سكان المغرب المنسي مريراً قاسيا لايشعر بقساوته إلا من إكتوى بناره و ذاق ويلات جحيمه،فالصحافة لا تكتب عنهم إلا عند وقوع الفواجع منشغلين بالكتابة عن مواضيع في قمة السخافة،و السياسي لا يتذكرهم إلا في مناسبة الإنتخابات لينشر الوعود الكاذبة والأوهام الزائفة، كما أنهم ليسوا من اهتمام الأغنياء ذوي الحظوة وسلطة المال والجاه،فإلى متى سيظل هذا المغرب معزولا مهملا؟ ألا يحق لسكان تلك المناطق الإستفادة من أبسط متطلبات العيش الكريم كمواطنين مغاربة؟ متى ستلتفت الحكومة وجمعيات المجتمع المدني إلى حال هذه الفئة المحرومة؟
بقلم: هدى وضاف
التعليقات
وكثير من هذه البلاد لا توصف إلا بـ " نهر مدرار يجري هدرًا -شكرًا .
ماله النفاق والتطبيل
حسبي الله ونعم الوكيل في كل واحد مسؤل مش شايف شغله كويس وخلانا في المؤخره