امتشقت الطريق لعلي أدرك ركعة من الصلاة ، وما أن صار المسجد تبصره مقلتاي وقد اشتعلت في قلبي نار الأمل في بلوغ مسعاي حتى أخمدها خروج أصحاب الأجور وقد أحيت الصلاة أفئدتهم بعد ما أصابها من الدثور . عدت منفتلا في أناة إلى الدار ، دخلت وتوجهت مباشرة إلى غرفتي كي أصلي ، وأنا أصعد الدرج تذكرت ابن جارتنا والذي كان يلعب في الصالة ، فصرخت من أعلى الدرج هل صلى آدم ؟ لم يجيبوني ولكن نادوا " آدم اذهب لتصلي مع أنيس" ، استجاب في الحال ، ترك أجهزته الإلكترونية ، و اتجه نحو الدرج يجري حتى خشيت عليه أن يسقط ، صعد وأنا أحثه على التمهل جعلته على يميني وكبرت ، بدأت قراءة الفاتحة فإذا به يردد معي حتى إذا وصلت إلى قوله تعالى "ولاالضالين" وأشبعت المد انقطع صوته فتسمع منه شهقة يأخذ بها نفسا عميقا ليكمل ، و مع كل تكبيرة يكبر بصوت عال . انتهينا من الصلاة ، فعلمته من الأحكام ما أحسب أنه يبلغه من الفهم ، ثم انصرف ، و سمعته يخبر أمه بما علمته.
جلست أتأمل في ما حصل مع هذا الصبي اليتيم ، فتذكرت نعمة الله علي بأن رزقني أبا يعلمني ما أحتاجه في ديني ، وارتسمت على شفتاي ابتسامة إذ تذكرت أول زيارة لي للمسجد والتي يحكيها أبي كلما اجتمعت العائلة وجعلوا ذكر ما حصل لهم من الطرائف موضوعا للمجلس ، يقول :{ أصر أنيس يوما -وهو صغير يومئذ(طبعا لم أذكر)- إصرارا عجيبا على مرافقتي إلى المسجد ، لم ندر ما السبب وماذا يخفي وراء إلحاحه هذا ، المهم اصطحبته معي ووافق دخولنا المسجد خروج الإمام من مقصورته ، فلاحظت أنه يريد أن يقول لي شيئا ، فنزلت إليه فإذا به يهمس أهذا هو الله؟} فانفجر أفراد العائلة ضحكا ثم يكمل {فأجبته لا لا ، ثم أردف قائلا وهل هو الرسول؟ } فتزداد قهقهات القوم وقال { فعلمت آنذاك سبب إصراره على مرافقتي } فأعلق قائلا ، الحمد لله أني كنت أبحث عن الله ورسوله منذ صغري فقد عرفتهما الآن.
تذكري لهذه القصة جعلني أفكر في اصطحاب آدم إلى المسجد ، و ما رجائي إلا أن ألعب دور الأب في تعليمه ولو شيئا يسيرا من الدين و الرجولة، مضت الأيام فسنحت لي الفرصة ، تردد ، عجبت من هذا الأمر وهو الذي سيتضح لي لاحقا ، خرجنا من البيت فإذا به يقيم هامته ويمشي في وقار وصمت ، أين ذلك الطفل الكثير الحركة والكلام؟ فإذا لقينا أحدا أخبره بكل سرور أنه ذاهب للمسجد ، ثم بدأ يذكر لي ما علمته المرة السابقة من أحكام الجماعة ، دخلنا المسجد وصلينا ومر كل شيء على ما يرام ، خرجنا فقال لي : لم أخف لم أخف ، أدركت آنذاك سبب تردده في الأول ، فقد كان يهاب هذا المكان حيث الرجال فقط ، فحمدت الله أن وفقني للأخذ بيده في مواجهة ذلك الخوف، فلما رجعنا إلى المنزل أخبرهم عن تجربته أو عن مغامرته في نظره .
و بعدها صار كلما رآني خارجا من البيت، طلب مرافقتي إلى المسجد ، ولو في غير وقت الصلاة (: .
-
أنيس...
التعليقات
اخي الفاضل استمتعت حقااا في قراءة المقال وأحسست بنعمة الاهل
سلمت الانامل التي خطت هذا الجمال .
ونسجت من الاحرف بديع اللوحات
دام عطائك العذب
ودمت نجما لامعا فى سماء الروقان