حين كنت صغيرة كانت ترعبني قصص الموتى و الاشباح.. الى حد انني كنت أراهم في كوابيسي.. و كنت أخاف المرض ايضا..
تمرض امي فاخاف من فقدانها.. و يخرج ابي فاخشى ان لا يعود.. و تذهب جدتي في زيارة لاحدهم فاشعر بوحشة قاتلة..
اول مواجهة كانت في السابعة عندما دهست مركبةمسرعة طفلة في صفي و هي تجمع الحشرات لاختها الكبرى.. هكذا بكل بساطة اسماء السمراء ذات الخصلات العسلية والعينين الخضراوين و حلقة الأذن الذهبية المميزه اختفت..
و بدأ يختفي الكثير من الناس.. خالة جدتي العجوز.. و جارتنا الثلاثينية و هي ام لأربعة اولاد .. و قريبتنا الاربعينية..
و كلما كان يغيب احدهم كنت اشعر بالصدمة و الذنب.. أخشى أن اموت انا ايضا و ان لاياخذني الله الى الجنة او ان اضيع المستقبل الباهر الذي لن يكون بانتظاري ..
و هكذا عشت سنينا حتى بدأت حياتي المستقرة بالتغير ...وابتعدت عني الطفولة الناعمة بوجهها الحلو و براءة ذكرياتها البيضاء.. و اطلت سنوات النضج الخشنة بمخالبها الحادة و تجاربها الرمادية المربكة..
و بدأ عالمي يتسع لكنه اتساع موحش و فارغ و بلا نهاية حتى اصبح قلبي يضيق به و يتوجس من كل طريق يسلكه فيه ..
كرهت الحياة و الناس و الظروف.. ساءت علاماتي و علاقاتي و نفسيتي..
ابتعدت عن الناس و انزويت في زاوية صغيرة من العالم ..
و لم أفهم حينها انك عندما تكبر سيتوقف الناس عن حبك و مراعاتك و ملاطفتك...
و لن ينظر احد اليك بعين العطف و الرافة بعد الان..
واي فشل تواجهه..او ضعف يلم بك.. او خيبة جديدة تتوسدها.. ستجعلك فريسة سهلة .. جاهزة للالتهام
و سينقض عليك الجميع..الاحباء القدامى و الأعداء القدامى و الجدد.. و ستنقلب عليك حتى الجموع التي كنت تختبئ خلفها.. ثم يخرج الكل اسلحتهم ويشحذون السنتهم الحادة ثم يحاولون غرزها في قلبك..
ستكبر و تكتشف انك مطالب بان تبثت جدارتك كي تنال حبهم و عطفهم على حد سواء..
و عليك ان تحقق لنفسك مكاسب حقيقية في دنيا الكبار التي لاسيد لها سوى المادة..و اصبحت انت اليوم أحدث عضوٍ فيها.. لتصنع منها درعا مضادا لرصاص كلماتهم العشوائية القاتلة التي تنهال عليك من كل اتجاه..
وان لم تصبح هذا و لا ذاك.. ففي أفضل الاحوال.. ستكون مجرد نكرة.. لا احد ينتبه لوجوده .. و ان تنبه لوجوده قد لا يلتفت اليه .. ستتحول الى مجرد شبح هزيل اخر يمر الناس من خلاله و لا يشعرون به..
و لم لا..فانت لا احد ..
اوجعتني كثيرا هذه الحقيقة عندما استوعبتها.. و نالت من كبريائي.. و ما زاد الأمر سوءا بالنسبة لي..ان الظروف لم تكن في صالحي..
حينها فقط بدأت افكر في الموت كفكرة محببة.. لكني لم اجرؤ على مواجهة نفسي بذلك..
و حاولت الانتحار بنصف وعي.. و نصف ادراك.. و كنت في كل مرة افعلها اخدع نفسي و كأني لم اتعمد ذلك..
لمست اسلاك كهرباء عارية بيد مبتلة.. ثم توقفت عندما شعرت بالرعشة تسري في جسدي باكمله..
عبرت طريقا رئيسيا تجتاحه المركبات المسرعة من كل جانب عدة مرات.. لكني ايضا لم اجرؤ ان اتمادى في ذلك..
استهلكت كميات كبيرة من الصودا على معدة فارغة لفترة طويلة.. حتى اصابتني قرحة لم اشفى منها الا بعد عدة اعوام..
لا أدري متى قررت ان اتوقف عن محاولاتي الغبية تلك.. لكنني توقفت تماما..
و انا الان سعيدة جدا..
و احب حياتي..
بل انني اشعر بالفخر بكل معاناتي الماضية و تجاربي كلها ..
لا تسئ فهمي من فضلك.. و تفترض اشياء لم تحدث.. فلا نهاية سعيدة هنا و لا حزينة.. فقط نهايات مفتوحة لقصة اسمها الحياة.
و حياتي لم تتغير كثيرا..
لم افز باليانصيب..
و لم اتزوج رجل احلامي..
و لم اؤسس امبراطوية اقتصادية خاصة..
و لم أحصل على شهادة الدكتوراه..
انا فقط اشعر ان الله يحبني.. .نعم يحبني كثيرا..
رغم أخطائي الكثيرة و صفاتي السيئة.. و رغم رايي بنفسي و راي الآخرين بي ..
ولا أعتقد باني استطيع ان اقنعك بذلك او اثبته لك.. فليس لدي أي دليل مادي على ذلك..
و لست داعية ..
و لا مدعية..
و لا مجنونة..
بل انا انسان عادي جدا..
بل ربما لو انك عرفت قصتي كاملة ستشك بكلامي.. او بقواي العقلية.. او صدق نواياي..
لكنني اعرف ان الله يحبني.. و هذا ليس مجردشعور..بل يقين راسخ يدفئ قلبي ..
و انا احب الله كثيرا .. لانه سندي الحقيقي..
احبه و اشعر بانه كل شيء في حياتي عائلتي الوحيدة، الحقيقية و القوية التي لن تفنى او تتخلى عني او تنهرني او تخذلني او تظلمني يوما ما..
عملي الذي يكفيني و يحميني و يطورني و يشعرني بالفخر..
وطني الذي انتمي اليه..
و احب حياتي ليس لأنها جميلة و رائعة بل لأن الله هو من أختارها لي.
-
كاتبةJournalist, feminist and writer