حضنتها بقوة، تحدثنا لساعات طويلة، ثم غفونا بسلام. في اليوم التالي استيقظت على منبه الصباح على حلم جميل أتى من طيف الماضي، ودعتها ككل صباح بقبلة وعناق، ثم افترق كل منا إلى عمله.

في ذلك اليوم كانت كل أحلامي تتعلق بذلك الطفل الذي سيأتي بعد عدة أشهر على الحياة؛ ألغيت جميع مواعيدي .. جلستُ في المقاهي كمشرد ليس له منزل يعود إليه، كيف يمكن أن أستمر في حياتي على كذبة لم أعد قادراً على إخفاء ملامحها .. أنا شخص يعاني من الاكتئاب، شخص ارتكب جرماً في الماضي  لا يستطيع أن يتغافل عنه أو يسامح نفسه عليه. 

في غياهب التذكار خطر في بالي سؤال مهم جداً " هل أنا مؤمن بوجود الله". عدت مسرعاً إلى المنزل أحمل وزر هذا التشكيك. كانت ملامحها مبعثرة كالعادة بين ملفات المرضى والكتب والأبحاث ..

قالت لي بصوتها الدافئ ونبرتها الهادئة التي لم تتغيير من سنين :" إذا كان المولود ذكراً فهو فادي وإذا كانت أنثى فهي مريم". 

توجهت إليها محاولاً إعادة ترتيب الكلمات التي كانت تتعارك بين عقلي وقلبي، أمسكتها من يدها الصغيرة وقلت لها متصنعاً البرود :" إنني أفقد توازني يا ريتا، أنا أعود إلى الماضي، أشعرُ بأنني اقترب شيئاً فشيء من مصيري الذي نجوت منه في الماضي؛ لقد تحولت من جراح تجميل إلى جراح دم، لم أعد أميز بين الجمال والمال، بين وجود الله وبين الخوف من إذ كان موجوداً أم لا .. ".

رفعت نظارتها من على عينيها، وقالت لي بحنية مرهفة :" أشعر بك، أعلم كل ما تفكر فيه وأقدر أنك تتجاهل الآحاد عمداً ولا تصلي ولا تشعل الشموع، أشعرُ بكم أن كمية الدم أصبحت كابوساً يلاحقك حتى في أحلامك .. لكننا وأخيراً نحقق حلمنا بأن نكون أسرة .. جمال أنا زوجتك، أنا حبيبتك ..".

قاطعتها :" لكنني لم أعد أراك سوى طبيبتي النفسية، المعالجة الروحية لروح منكسرة متشظية، متبعثرة .. أخاف أن أخونك حتى في الذاكرة، أن أفقدك حتى في أحلامي"!

عانقتني بشدة بكينا كطفلين يتيمين، لأول مرة شعرتُ بأنني ظلمتها، بأنني كنت قاسي الحكم عليها، بأنني على ضفة وهي على ضفة أخرى ولا أحد منا يستطيع العبور إلى الضفة الأخرى؛ لكن كان علينا أن نحارب .. لننتصر، لننتصر على ذاتنا وقهرنا، على البعد الذي فرقنا دون أن نشعر، على الوقت الذي غيرنا دون أن ننتبه .. 

/ يتبع / .