مستقبل الدول العربية بين 'الدينية' و 'العلمانية' - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مستقبل الدول العربية بين 'الدينية' و 'العلمانية'

  نشر في 07 أبريل 2015 .

لا تملك الدراسات السياسية العربية من الجراة-في غالب الاحيان-ما يمكنها من القول ان العامل الديني ، في شكله الطائفي او المذهبي ،قد اذى ، وشرد ، وازهق ارواح العديد من الابرياء ، فقد قطعت اعناق ، ومزقت اجساد ، وفجرت مدن تحت راية الدين ، وتحت غطاء نص شرعي ، اول او فهم بطريقة خطا ، من النفاق التغاضي عن تعاظم الجريمة باسم الدين في منطقتنا العربية خاصة ، والشرق اوسطية على وجه العموم ، فالمزيج الديني الذي من شانه ان يجعل هامش الخطا متقلصا جدا، من باب تعدد اوجه النظر ، افرز حربا نفسية تجعل من الفرد ، يمارس التقية تارة ، او يخفي هويته الدينية تارة اخرى ، فالريبة ، والشك ، واللايقينية ، هي الخطوط العريضة للحياة المجتمعية في عديد الدول العربية، الى درجة تجعل من الفرد يرى في انتمائه الديني عبئا عليه ، وينتظر الساعة التي يقتحم احدا منزله ،او يختطفه ليسلبه حقه في الحياة .

يبدو انه قد حان الوقت ،لنفكر بمنطق،وبجدية ، لماذا لم تنجح الدول العربية في هندسة تعايش ديني سلس داخل مجتمعاتنا ،حتى وان ظهر ذلك ، لماذا لا نتعمق اكثر ، ونكسر جدار الصمت ونواجه انفسنا، هل الخلل في النصوص الدينية نفسها، ام الخلل في شرحها وتلقينها للانفس ، ام الامر يتعلق بفشل السياسات المجتمعية في شقها الديني ،او ابعد من ذلك ، هل الخلل يكمن في انظمة طائفية ، تعمق من منطق كره الاخر وتكفيره واقصائه ، او حتى هدر دمه واستباحة ماله وعرضه ، لا بد من هندسة سياسة تعايش ديني داخل الانظمة العربية تحقن ما تبقى من دماء مواطنيها ، وتكبح جماح المستثمرين في العقيدة واللاعبين على اوتار الاختلاف .

تاسيسا على ما سبق ، اي مستقبل ينتظر الدول العربية ، هل ستتكرس الدينية ، والطائفية والمذهبية اكثر فاكثر ، ام ستظهر بوادر انعتاق مجتمعي وسياسي ، تجعل من الدين حق شخصي، والسلطة حق للجميع،هل العلمانية وحش كما يتم تصويره من العديد ، لست اتبنى اي من الطرحين السابقين ، ولكنني افتح المجال للنقاش ، لنصل الى حل يكبح السياسة من ان تشوش عن الدين ، وينزه الدين عن الاختلاط بشهوة السلطة ، ما العمل، ما هي الطريقة الاكثر فعالية للانعتاق من الجريمة باسم الدين ، الدينية ام العلمانية ،اليس من الانسانية ان نطورمقاربة امنية مجتمعية ودينية ، تجعل الانسان امنا ، مرتاحا ، ليلتفت الى قضايا التنمية ،هل ضاعت خيارات الدول العربية بين المذهبية والطائفية ، الى درجة التغاضي عن حق الانسان في الحياة ، من الصعب تحقيق عدالة اجتماعية ، في الوقت الذي يزعم كل طرف من باب التعصب الديني ، والمذهب والطائفة، انه الاحسن ، و الاجدر بالسلطة ، لان السلطة قيمة مجتمعية تتجاوز الدين والمعتقد ، والمذهب والطائفة .

الأمن ، الأمن المجتمعي ، الأمن الديني، الأمن الإنساني

غزارة في التنظير ، ندرة في التطبيق

لا يمكن انكار ان المفاهيم الامنية غزت حقل الدراسات الاجتماعية، السياسية ، والدولية ، واصبحت تحمل من الاهمية ، نظريا وواقعيا ، الى درجة انها حظيت بمظلة علمية ، تحت ما يعرف اليوم بالدراسات الامنية ،وفتح المجال امام العديد من المساهمات النظرية ، والمفاهيمية ، تتوسع وتضيق حسب خلفية من ورائها ، من منطلق ان النظرية ليست اداة مجردة ،اذ انها تحمل خلفيات فكرية وسياقات اجتماعية وثقافية وتاريخية لأولئك الذين عملوا على بنائها وصياغتها ،فمصدر هذا المد التنظيري غربي، ينطبق مع الرؤية المجتمعية الغربية ، لذا يبدو من الصعب بمكان سحبه على العقلية المجتمعية، والتركيبة الانسانية العربية ،لكن تقتضي الضرورة الاكاديمية التطرق لهذه المفاهيم بتجرد ،ومن ثم البث في قضية تكييفها مع الواقع العربي ، فالامن، في ابسط تعاريفه، هو التحرر من الخطر ، او المجازفة ، وهو متاطبق مع السلامة ،فان تكون امنا يعني ان تكون سليما من الاذى ،ما يميز تعاريف الامن انها تنتج من البساطة ما يجعل المتلقي يصورها في غاية السهولة، لكن الامر ليس كذلك ، وهذا ما دفع باري بوزان للقول انه مفهوم معقد ،وينبغي لتعريفه الاحاطة بثلاثة امور على الاقل،بدءا بالسياق السياسي للمفهوم، ومرورا بالابعاد المختلفة له ، وانتهاءا بالغموض والاختلاف الذي يرتبط به عند تطبيقه في العلاقات الدولية ،اذن ومن هذا المنطلق ،يتشابك الامن مع عديد القضايا، اذ لا يمكن التجرد من باقي المتغيرات عند الحديث اوالتطرق اليه ، فمثلا لو سكبنا مفهوم الامن في بعده المجتمعي، لخرجنا بمفهوم جديد روج له فيما يعرف بالدراسات النقدية لقضايا الامن ،لنجد انفسنا امام مفهوم الامن المجتمعي، والذي حسب باري بوزان من الصعب فصله عن الامن السياسي، فمهددات الامن المجتمعي تكون متعلقة بالهوية ،و عدم وجود امكانيات لدي الدولة للتعامل مع اختلافات الثقافة و الهوية ،اذن هناك ربط واضح بين الهويات والثقافات ، فمتى تعايشت الهويات والثقافات باختلافها وتمايزها، وشعرت بانها امنة فقد تحقق الأمن المجتمعي ، فلو اعبرنا ان الجانب الديني، ساهم في بلورة العديد من الهويات ، او ربما طغى عليها ، وتجذر في العديد من الثقافات وكيفها معه ، فان الامن الديني ،بمنطق الاستنتاج او امن المعتقد داخل المجتمع ، اي سلامة الدين ، او الطائفة ،او المذهب ، من الخطر ،كل هذا في سبيل تحقيق امن الانسان بصفة عامة ، وهذا ما اضحى يعرف في الدراسات الامنية بالامن الانساني ، والذي يركز على الافراد والمجتمعات بدلا من الدول ،كما يعني الحد من انعدام اوجه الامن التي تبتلى بها حياة البشر، والتخلص منها ان امكن ، وينطلق من فكرة ان توفير الاحتياجات الاساسية للافراد هو شرط اساسي للمجتمعات .

لقد روج للامن الانساني من طرف برنامج الامم المتحدة الانمائي اوائل التسعيينات ،فقد ظهر نهاية الحرب الباردة لربط المشاكل الانسانية ، والمجتمعية ، والاقتصادية،لتجنب المعاناة الانسانية ، وضمان الامن ،اذن فالامن الانساني هي قيمة امنية تخاطب الفرد الانسان دون اعتبارات ودون تمييز على اي اساس كان .

من السذاجة التسليم بان هذا الكم التنظيري الذي روج له في عالم ما بعد الحرب الباردة ، سيجد له مكانا واسعا للممارسة على ارض الواقع ،لان النظام الاممي الذي تسيطر عليه القوى العظمى ، خاصة الولايات المتحدة الامريكية ، ينظر للواقع الدولي بمنطق الانتقائية ، فما يرى على انه حالة انسانية تستدعي التدخل في مكان معين ، لا يرى كذلك في اماكن اخرى ، اذ انه حتى فيما يتعلق بالبقاء البشري والحق في الحياة تدخل الحسابات المصلحية للحكومات والدول ،فالنظرة الامنية للامور لا تعبر غالبا عن الانسانية و حسن النوايا ، بل تبطن في كثير من الاحيان لاهداف استرايتجية واقتصادية ،والواقع الدولي اليوم يشهد بصحة هذا الافتراض.

على كل حال لا يمكن الانتظار من منطق الوصفات الجاهزة ، ان يفلح في البيئة العربية ، فمن المثالية الانتظار من هيئة الامم المتحدة ، ان تكرس الامن الانساني في العالم العربي دون ان تجد لمصالح الدول المسيطرة عليها موطئ قدم ،فالخدمات في سبيل الانسانية ، ما هو الا شعار نجده في مواثيق المنظمات الدولية، الحكومية منها، وغير الحكومية ، لكن في الواقع ما هي الا خدمات في مقابل تحقيق او ضمان لديمومة المصالح.

الدينية ، مقابل العلمانية ،

ليس سرا ، ان العديد من الشخصيات الدينية في العالم العربي ،الاسلامية على وجه الخصوص،قد كفروا العلمانيين ، وراو في الفكر العلماني خطرا داهم ، من شانه يجعل القضايا الدينية محل نقاش، اوتهميش، فيما يرد العلمانيون انهم في كثير من الاحيان يفهمون خطا ، وانهم ليسوا ضد الدين في علاقة الانسان به، انما مقصدهم اعادة النظر في ثنائية العلاقة الدين-السلطة .

تفهم العلمانية عند العام والخاص على انها فصل الدين عن الدولة، ولكن على وجه التدقيق قد راها البعض على انها دعوة الى اقامة الحياة على غير الدين،وتعنى في جانبها السياسي بالذات اللادينية في الحكم ،وعلاقتها بالدين قائمة على اساس سلبي وهو نفي الدين عن مجالات الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والفكرية ...الخ ،يبدو هذا الحكم ربما قاس بعض الشيء ، من منطلق انه ينبئ بان العلمانية هي انفصال ، وانسلاخ عضوي عن الدين ،وهذا غير ممكن بحكم الطبيعة ، اذ انه لا يمكن تشييئ الدين الى درجة انه يمكن فصله ببساطة ، فالدين متجذر في الحياة الانسانية الى حد ان فصله عنها قد يبقيها فارغة من محتواها.

يمكن الاشارة على ان العلمانية يمكن ان تفهم عبر مدخلين اساسيين ، تنضوي تحتهما كل الطروحات والمساهمات في التنظير لمفهومها:

1-فصل الدين عن الدولة.

2-حياد الدولة تجاه الدين .

ويتم الترويج على ان العلمانية تحمل عددا من القيم ، كالتعددية ، والتسامح ، وحرية المعتقد وغير ذلك من القيم ، والمتمعن في القيم المذكورة ، يمكن له بديهيا، ان يكتشف انها مستقاة في الاساس من النصوص الدينية ومن التعاليم الدينية ، اذن كيف تكون ضد الدين ، وهي تنهل من قيمه ؟

يقول الشيخ القرضاوي في كتابه الشهير ، العلمانية والاسلام وجها لوجه ،"ان العلمانية لا تجحد الجانب العقدي في الاسلام ، ولا تنكر على الناس ان يؤمنوا بالله ورسوله واليوم الاخر ،انطلاقا من مبدا مسلم به عندها،وهو تقرير الحرية الدينية لكل انسان،فهذا حق من حقوقه ،اقرته المواثيق الدولية ،ومضت عليه الدساتير الحديثة" ،الى حد نهاية هاته الفقرة يبدو الامر جيد في العلاقة بين الاسلام والعلمانية، اذ انه اقرار بان العلمانية لا تنغص على حياة الفرد ، ولا تقلص حرياته الدينية و العقائدية ،لكن سرعان ما تدارك الدكتور القرضاوي هذا الحكم بقوله في نفس الصفحة "ولكن الاسلام في داره 'دار الاسلام' لا يكتفي بان تكون عقيدته مجرد شيء مسموح به ،وليس محضورا كالمخدرات والسموم...انه يريد ان تكون عقيدته روح الحياة ،وجوهر الوجود وملهم ابناء المجتمع ، وان تكون اساس التكوين النفسي والفكري لافراد الامة ، وبعبارة اخرى ، تكون محور الثقافة ، والفن والاعلام ، والتشريع والتقاليد ،في المجتمع كله"، يمكن القول ان الاسلام بهذا المنظور يشير الى الشمولية ، اي انه اخضاع جميع القيم المجتمعية لتعاليم الدين الاسلامي ، ليفتح الباب امام التساؤل عن مصير القيم التي لا تدخل ضمن خانة الاسلام .

العلمانية هي مذهب سياسي ،ينطلق من جعل السلطة قيمة انسانية مجردة ، لا تتعلق بالانتماء الديني، فاذا كانت العلمانية بهذا المفهوم، فما هي الدينية ،الدولة الدينية هي الدولة التي يعتبر الحاكم فيها نفسه نائبا عن الله ويضفي على نفسه نوعا من القداسة ،فهو الحاكم بامر الله ،لا تجوز معارضته لان اوامره مستمدة من الله ،يبدو كذلك هذا الحكم متطرفا قليلا ، اذ ان الدولة الدينية بمقاييس اليوم ليست بهذا المعنى الحاد ، اذ انها الحكم طبقا للنصوص والتعاليم الدينية ، والتي تتميز بالتنزه عن الخطا، على عكس النصوص القانونية الوضعية .

يبدو انه من مصلحة كل طرف ، دينيا او علمانيا ، الترويج لعدم صواب افكار الاخر ، ففي الوقت الذي يروج العلمانيون لتطرف ، وحتى في بعض الاحيان لارهاب المتدينين ،يقابل هذا من الطرف الاخر بالتكفير ،والانحراف، والخروج عن الأعراف والتنصل من الهوية ،لكن الملاحظ ،يرى الان الدعوات الدينية اشد تاثيرا ، من تلك غير الدينية ، وهذا واقع فرضه التكوين الاجتماعي للشعوب العربية.

من باب العدل في الاحكام، كلا الممارستين ، العلمانية و الدينية ،تحملان الخطر على المجتمعات، فتاويل النصوص الدينية بطريقة خاطئة ، قد ينتج تطرفا، وعداءا نحو الاخر، يجد طريقه الى النفوس التي تتعاطف مع كل ما يصدر عن رجال الدين الى درجة التصديق والتنفيذ الاعمى، كما ان الممارسات العلمانية ، قد تجعل من الثقافات الدينية مهمشة ، مما يخلق افرادا ونخبا لا يقيدهم وازع ديني ، ولا تقيدهم الاطر العقائدية ، فالفكرة الدينية قد ساهمت في دفع التاريخ الانساني نحو الازدهار في كثير من الاحيان .

العالم العربي، الدين والسياسة

من الناحية الجغرافية تحتل وحدات العالم العربي منطقة جغرافية منبسطة تبلغ مساحتها13.6 مليون كلم مربع ،تمتد على قارتين ، وتقع ثلاث ارباع المساحة تقريبا في افريقيا ،يبلغ عدد سكان الدول العربية مجتمعة حوالي 367مليون نسمة ،اغلبهم يدينون بالاسلام ،والذي يحظر غالبا في الحياة السياسية والاقتصادية ، وحتى الشخصية ، وفي علاقة الدول العربية بالدين يمكن الخروج بثلاثية مفادها:

• -دول ترتكز على العامل الديني: كالمملكة العربية السعودية،ولبنان.

• -دول تدستر لدين الدولة: تونس، قطر،الجزائر،البحرين،مصر،الاردن ، اليمن،الكويت،المغرب،عمان، موريتانيا والامارات العربية المتحدة.

• -دول غير مدسترة للدين: سوريا ،السودان وليبيا.

لا يمكن الحديث عن ثنائية السياسة-الدين ، دون افساح مجال للحديث عن الشرعية،فمجموعة التقاليد الدينية تعتبر مصدرا للشرعية في العديد من الانظمة العربية،والتي تعتمد عليها القيادة السياسية لتحقيق رضا المحكومين،في هذا الاطار تلجا بعض النظم العربية الى نسبة حكامها الى النسل النبوي الشريف،كما تقدم نفسها باعتبارها حارسة للقيم الاسلامية في علاقاتها الداخلية والخارجية ، وتختار بعض العلماء الذين يبررون تصرفات الحكام بدعاوى دينية،هذا بالاضافة الى تطوير بعض اليات العمل السياسي وحل النزاعات التي تستند الى الى قواعد العرف والتقاليد ،وتستقي الملكيات الثماني في المنطقة العربية شرعيتها من هذا المصدر ، وحتى بعض النظم الجمهورية في فترات زمنية محددة .

لا يجب ان تقتصر النظرة في علاقة الدين بالسياسة في الجانب الاسلامي فقط ، بل حتى للديانة المسيحية دورا في الحياة السياسية ،فمثلا في مصر ، في الفترة المضطربة التي أعقبت انتخاب محمد مرسي رئيساً للبلاد في حزيران/يونيو 2012، أصبح قادة الكنيسة أيضاً أكثر نشاطاً في ميدان السياسة. بيد أن الأهم من ذلك هو أن بطريرك الكنيسة، البابا تواضروس الثاني، أيّد تدخّل الجيش، في يوليو 2013، ضدّ مرسي ونظامه المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الحين، اعتبرت جماعة الإخوان وأنصارها الأقباط جزءاً مما يقولون إنه كان مؤامرةً ضد مرسي. وبالتالي، هاجم المحتجّون المؤيّدون لمرسي، الذين شعروا بالغضب إزاء دعم الكنيسة لاستيلاء الجيش على السلطة، الكنائس والممتلكات القبطية .

اذا هذا التشابك بين الدين والسياسة، نسف بحظوظ الاطراف العلمانية في الوصول الى السلطة وتجنيد الكتل الجماهيرية حول برامجها.

الامن الديني في العالم العربي:تاريخ حافل بالتجاوزات

حاضر لا يتعلم من الدروس

العالم العربي ، لم يكن دائما روضة للتعايش السلمي بين المذاهب والطوائف ، بل شهد تاريخه –ومازال يشهد- تجاوزات ، وسلب للحقوق ، منها الحق في الحياة باسم الدين ، ولا تملك في غالب الاحيان الدراسات السياسية من الجراة ، لتتطرق الى مسائل تتعلق ببناء تصورات دينية يمنع معها التأويل الخاطئ ، والمتطرف ،ليس من العيب القول مثلا ان تنظيم الدولة الاسلامية يستقي العديد من خطوطه العريضة من الفكر والممارسة الإسلامية ، والمشكل هنا ، هو ان مناقشة هذا النوع من القضايا كثيرا ما تتوقف عند خط الممنوع ، والطابوهات ، مما يعيق تقدمها ، فتعود الظواهر السلبية من جديد الى نقطة الصفر لتتعاظم اكثر ، لماذا يتقاتل السني والشيعي في العراق ، والعلوي والدرزي و السني في سوريا، لماذا تقاتل المسيحي والمسلم في لبنان ،وحتى في مصر ، هل الخلل في الدين نفسه ، او من لقنهم الدين، ام الخلل في انظمة سياسية لم تاسس لحياة مجتمعية خالية من النعرات الدينية والطائفية والمذهبية .

معطيات الواقع لا تبين ان العالم العربي قد تعلم من ازماته التي صبغت بالدين والطائفة والمذهب، وحتى الأنظمة العربية ما زالت تستثمر في المشاعر الدينية ، وتلعب على أوتار الأحاسيس الإيمانية لدى البعض ،لينتج هذا زبانية طائفية ومذهبية قاتلة ومدمرة في اغلب الأحيان، فالعلوي يقتل في سوريا لان بشار علوي ، والسني يمزق لان داعش تعمل وفقا منهج السنة ، وتختصب الايزيدية لانها سبية حرب، والشيعي يشك في ولائه الوطني في البحرين لان ايران شيعية ، وغير ذلك من الممارسات التي صمت عليها المجتمع مرغما ، وسكت عنها اصحاب العمائم ،سكوت خوف ، يظهر كأنه سكوت رضا ، ان بناء وهندسة سياسات لخدمة الامن الديني ، وامن المعتقد في العالم العربي اضحت ضرورة استراتيجية ،ليس للاستقرار السياسي ،بل للمحافظة على بقاء الجنس البشري العربي ، الذي يبدو مصيره في ظل المؤشرات الحالية انه سيسحق في حروب شبيهة بتلك التي عصفت باوروبا في القرون الوسطى.

المستقبل : الدينية أم العلمانية

لا اريد الاجابة بتطرف لاي جهة ، كالقول المستقبل للدين ، ام للأفكار العلمانية ، لاني اود ترك النقاش مفتوحا ،لينقده ، او يقومه غيري ،لكن ينبغي القول ان التجارب العربية في ما يتعلق بالدينية السياسية، كتجربة الجزائر ، وكذا مصر ، وسوريا ، ولبنان ، وتونس والمغرب وحتى بلدان الخليج ،خلقت نوعا من التخوف من الافكار السياسية التي تبنى على أساس ديني ،وكذا تسعى العديد من الاطراف الى تجريم العلمانية وتصويرها على انها 'كفر' لا جدال فيه ،فقد خلق وعي سياسي لدى المواطن العربي يجعله يحس انه يختار بين التطرف ، وبين الالحاد والانحلال ، هذا الوعي لم يولد من فراغ بل ساهمت الكثير من الوقائع في العالم العربي على نحته .

يجب التسليم بفكرة مفادها ، انه لا توجد اليوم سلطة سياسية دينية بالمعنى الحقيقي للكلمة ،ولا توجد سلطة علمانية بالمعنى الكامل ، حتى في الدول التي تدعي ذلك ، لانه من المستحيل فصل الديني عن الدنيوي ، فان يقول احد المسؤولين الاوروبيين بعد قرون من الممارسة العلمانية ان الاتحاد الاوروبي ناد مسيحي ، في اشارة الى رفض تركيا ذات الاغلبية المسلمة ، هو دليل على ان الوعي الديني حاضر في الحياة الانسانية ، ولا يمكن تحييده ، وهذا ما يبرر ربما فشل الاحزاب العلمانية في العالم العربي الا بعض النماذج القليلة ، وان وصلت فانها تعانق مؤسسات دينية تتقوى بها وتستند عليها،كما لا يمكن تخيل نظام ديني بالمعنى الكامل للكلمة ، لانه حتى التعاليم الدينية باتت في كثير من الاحيان مسيسة ، وخاضعة لنزوات سياسية لجهات معينة .

اذن ، لا تبدو الانظمة العربية اليوم علمانية بمعنى الكلمة ، كما ليست دينية كذلك ، فالممارسة السياسية اليوم تنهل من الاثنين ، وتستثمر في الاثنين ، العلمانيون لكبح جموح الاسلاميين ، والاسلاميون كاداة ردع –ولو لين- للعلمانيين ،فمثلا الدول التي تدستر للاسلام لا تطبق الحدود ، وتفتح تجارتها امام البضاعة التي يحرمها الاسلام ، وغير ذلك ، من هنا نقول ، انه ليس هناك استعداد لتقبل الدين كممارسة سياسية ، كما انه ليس هناك تقبل لاعتناق الافكار العلمانية ، وجعل السلطة الحق المشترك ، والدين هو الحق الشخصي ، وان ادع الكثيرون عكس ذلك .

الخاتمة ،"العلمانية هي الحل...الاسلام هو الحل"

يرى العلمانيون ان افكارهم هي الحل ، في عالم عربي باتت تلتصق به قضايا التطرف الديني، والمذهبي و الطائفي ،كما يرى الدينيون ان تطبيق الدين هو الحل في ظل تراجع القيم الدينية ، من منطلق ان الافكار والتعاليم الدينية لا تحتمل الخطا ، وتحمل من العدالة ما تعجز عنه القوانين والمواثيق الوضعية .

تاسيسا على الطرحين السابقين ، يمكننا الوقوف عند النقاط التالية:

• -التمسك بالعامل الديني كاساس للممارسة السياسية من شانه ان يكرس الانقسام داخل المجتمع ، وان يدفع نحو تغذية الافكار الانفصالية .

• -العلمانية تصلح في المجتمعات ذات التنوع الديني الظاهر في العالم العربي ، لبنان مثلا ، اي انه لابد ان يضمن لكل حصة في النظام السياسي .

• -لا تصلح العلمانية في المجتمعات التي تحتوى على اغلبية ساحقة لصالح معتقد معين ، مصر مثلا ، فتنبيها سياسيا يصبح دون معنى .

• -لا بد ان ترتكز العلمانية على حس مواطني عال ، وولاء وطني قوي ،اذ انه ، اذ زاحم اي ولاء، وان كان دينيا ، الولاء الوطني ، فالاولوية بمعطيات الواقع للوطن.

• -الافكار الدينية السياسية اذا طبقت واقعيا ، من البديهية انها ستطبق من طرف بشر ، ليسوا منزهين عن الخطا ، ومن هنا ادعاء الكمال والمثالية مجرد سلعة للبيع في سوق سياسي عربي متعطش للعدالة.

• -منطق الخلافة ، والذي تتبناه الدولة الاسلامية مثلا ، لا يتماشى مع الفلسفة التنظيمية للدولة الوطنية ،فلا يمكن تخيل اليوم سلطة مركزية توزع القيم على ولايات تدور في فلكها ، فهذا لا ينطبق مع السيادة التي تعتبر اساسا لوجود اي دولة .

ونذكر ، ان ما تحمله هذه الورقة قابل للنقاش ، بالنقد والتقويم ، وصاحب البحث يرحب باي عروض للمناقشة المستفيضة ضمن ما يرغب في تسميته الدراسات السياسية الدينية .


  • 2

  • بلقاسم القطعة
    باحث ، محلل في مجال السياسة و الامن الدوليين elguettaabelkacem@gmail.com
   نشر في 07 أبريل 2015 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا