ما أحلى الرّجوع إليه.. - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

ما أحلى الرّجوع إليه..

  نشر في 26 يوليوز 2016 .

هل تحمل فوق ظهرك أوزارا قد أثقلت كاهلك؟ هل ينتابك إحساسا غريبا كمّن يتخبّطه الشّيطان من المسّ..من فرط تشتّت ذهنك..و كثرة السّبل من حولك..و فقدانك النّور الذي كان يصلك به منذ الأزل..

هل ران على قلبك؟؟ و حجبتْ غشاوة الخطايا عنك حقائق الأمور..فغرقتَ في بحر اللّذات و حُرمت نفسك نعيم الرّاحة و الأمان..

تقفُ الآن في مفترق الطّرق تشتكي من ضيق في الصّدر كأنّما تصّعّد في السّماء..

تبحث عن حبل من نور يربطك به سبحانه..ذلك الحبل الذي قطعته بسكّين الجهل و الغفلة و النّسيان..و رُحتَ تجوب أقطار الدّنيا بحثا عن لذّات تُسعدك بعيدا عنه..

طال بك السّفر و رجعت ..تبحث عن النّظام بدل الفوضى و الإستقرار بدل التّشتّت..

رجعت لتنتقل من مهانة حيوانية إلى كرامة إنسانية..و تسأل كيف السّبيلَ إلى ذلك؟؟

التّوبة!!! الحلّ الوحيد و الأوحد..

. أيّ نعمة هذه أنعم الله بها علينا..

بها تُكشفُ عنّا الحُجُب التي نسجناها بذنوبنا،فإذا نورٌ وهّاج يحمِل الودَّ و العفوَ و الغفرانَ يخترق كلَّ خليّةٍ من خلايانا فتقشعرُّ و تطمئنُّ بذكره..

نور على نور يهدي الله لنوره.. من رغبَ.. في الرّجوع إليه

مُفلسٌ و مِسكينٌ منّا مَن فضّل البعدَ عن القرب..و الخسرانَ على الفلاح..

التوبة...شمسٌ طلعت، فأزالت الظّلام

ماء بارد..أثلج الصّدَر و أذهبَ الظّمأ في عزّ الحرّ

عِطرٌ إستنشقتْ الرّوحُ روائحَه..ثمّ أخرجتْ مع الزّفير جفاءًا و بُعدا.فإذا القلبُ قد خشَع..

إجلسوا إلى التّوّابين فإنّهم أرقُّ أفئدة

هذا ما قاله عمر رضي الله عنه.

و أيّ إله هذا.. الذي يتنزّلُ كلَّ ليلة إلى السّماء الدّنيا و ينادي : هل من سائل فأعطيهُ سؤلَه؟ هل من مستغفر فأغفرُ له؟ هل من تائب فأتوبُ عليه؟

أن يتودّد العبدُ إلى سيّده.. فهذا شيئ مُعتاد و لكن أن يتودّدَ ملكُ الملوك بكماله و بهائه و جماله و جلاله لعبده ..هذا ما لا يُمكن لعقولنا القاصرة أن تفهمه و تعيه..إلاّ أن يكون حُبّا قد كتبه الله على نفسه لعباده.

لن يضرَّه بعدُنا.. ولن ينفعَه قربُنا .. و لكنّه إلهٌ مُحبٌّ لعباده،محبٌّ الخير لهم..شديدُ الفرح لتوبتهم..أليس من أجلهم خلق الجنان؟؟إلاّ من أبى..

" وتوبوا إلى الله جميعا أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون" النور 31

التوبة..هي أن تُسلِّم مملكةَ قلبك إلى رحمن الدّنيا و الآخرة..

أنْ ترجعَ إلى نقطةِ البداية حيث الفطرة..

أنْ تسمحَ لنورِ الله أن يخترقَ خلاياك من جديد..

أن تُتبع السيّئةَ الحسنة لِتمحها..

"التّائب من الذنب كمن لا ذنب له" ،"لو أخطأتم حتّى تبلغ خطاياكم السّماء ثمّ تبتم لتاب عليكم"

أقوال لرسول الله عليه السلام تبعث الأمل و تشرح الصّدر..

لا يأس و لا قُنوطَ مع إله تجلّى بأسمائه الحسنى و صفاته العلى محبّة فينا..

" و سارعوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها السّموات و الأرض أعدّت للمتّقين" آل عمران 133

فلربّما اتّخذنا التّسويفَ قرينا لنا فتراكمت ظلمةُ الذنوب على قلوبنا حتّى صارت طبعا و رينا و استحال محوُها، أو داهمنا المرض فانشغلنا به عن تزكية أنفسنا ، أو فاجأنا الموت فجفّ القلم.. و ضاعت الفرص..و حُرمنا رؤية المحبوب..

و هل هناك ألم أشدّ وقعا على القلب من فوات المحبوب؟؟

"قُلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعا "الزمر 53

هل تسمعه؟؟

إذا شككتَ بعد هذا.. في أنّه فتح لك أبواب حزبه و أظلّك تحت ظلال رحمته بعدما رجعت إليه..

فكأنّك قد شككت.. في زوال العطش بعد شُربِك للماء!!

أو في إدبار اللّيل بعد إطلالة الشّمس!!

غُصْ في أعماقك..إركبْ سفينة حِيرتك..أتركها تعبر عبر مجرى شرايينك..إلى جزيرة قلبك..

ستجده واقفا وسط خُضرة ستشدّك..و ينابيع ماء ستسحرُك..ستُلامس نسماتٍ تُنعش نفسَك..

و تطرَب لألحانِ طيورٍ هادئة..ستتشابك أغصانُ الحب و الشّوق و الأنس و الرّضا لتلفًّك..

أترى ذلك النّور الأبيض السّاطعَ الشّفاف الذي ينبثق من فؤادك..

أجل..إنّه نور الله..بعد عودتك..

ألا ترى تلك الإبتسامة المشرقة التي رُسمت على وجه قلبك؟؟ ألم يُشجيك تسبيحًه و حمدًه؟؟

العجب كلُّ العجب أن تأتي الله تمشي.. و يأتيك هرولة.. مِن شدّة فرحته برجوعك.. يُحسن إليك يُواسيك و يمدّك بمعونته و ينتدب لنصرتك..و هو مَن هو..

لن يحتويك بأخطائك إلاّ هو.. و يطوي سجلّ ذنوبك و يُنسيك و يُنسي أهل السّماء و الأرض خطاياك..رأفة بك..إلاّ هو..

لن يكون حبيبُك بعد توبتك..و سترا و غطاءً على ما مضى من زلاّتك إلاّ هو..

جديرٌ بك بعد هذا.. أن تتجرّد من ثياب التثاقل و تنغمسَ في بحور معرفته.. و ترتع في رياض محبّته..

و تتلذّذ برؤيته ..قبل أن تراه..




  • 8

   نشر في 26 يوليوز 2016 .

التعليقات

بارك الله في علمك وزادك علما وتوفيقا ماشاء الله ابدعتي
0
خديجة
اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا من علمك الذي لا ينتهي..فكلما حاولنا الإ نغماس في بحور معرفته أدركنا مدى جهلنا فيا لعظمة هذا الكون و يا لعظمة الإله الذي خلقه..شكرا حبيبتي..وفّقني الله و إيّاك..
ذكرى عبد الوهاب محمد المسيري
آميـــــــــــــــــــــن يارب
شكرا
قمر بدران منذ 8 سنة
أَلَم يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ

16 الحديد

منذ مدة وأنا أجد هذه الآية أمامي كلما تلفت يمنة أو يسرة، فيخفق قلبي، وأشعر كأن الله يرسلها كنداء لي، لكن أتراه النداء الأخير؟ أم أنها محبة من الله أكرمني بها؟ والآن جاء مقالك ليجعل القلب يصرخ شوقا لله، وتوسلا ليغفر ذنوبه.
من منا بلا ذنوب، صغيرة كانت أم كبيرة، من منا لم يحد عن طريق النور ولو للحظة، من منا لم تمسه الخطايا ولم تتق روحه للعودة؟
أعترف بذنوبي أيا كانت والروح تنادي خالقها ليقبل التوبة ويغمرها بالرضى والمغفرة.
شكرا لك سيدتي على هذا المقال الجميل.
0
خديجة
كل ابن آدم خطّاء و خير الخطّائين التوابون..صدق رسول الله عليه السلام..لن يفرح بتوبتنا أحد أكثر منه سبحانه..مع أنّه الكمال بعينه..و لم يضع خطوطا حمراء و حرّم علينا تجاوزها إلاّ حفاظا على صحّتنا الجسدية و النّفسية و العقلية ..و حفاظا على كرامتنا بين الناس ..فالدين هو منهاج حياة و ليس طقوسا فرّغناها من معناها الحقيقي و أصبحنا نزاولها دون وعي فلم نجد لها أثرا كبيرا في حياتنا فاللهم رُدّنا إليك ردّا جميلا..و افهمنا حقائق الأمور لنطيع أوامرك بوعي فنحيا بذلك حياة طيّبة..شكرا حبيبتي..
عمرو يسري منذ 8 سنة
كلام جميل و صوت دافئ .
0
خديجة
شكرا عمرو,,صوتي هو سفير أحاسيسي و مشاعري فالحمد لله على أن وصلك دفئه .فالكلام و هو في طريقه إلى قلب السامع يصل بسرعة و أفضل إن كان الصوت الدافئ هو الذي يحمله..أليس كدلك؟
عمرو يسري
بالتأكيد اتفق معكي سيدتي

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا