تعملنا في المدرسة الابتدائية أن "الصحراء" مصطلح يجب أن نصمه عن ظهر قلب، حتى إذا ما سُئلنا عنه في ورقة الامتحان نصبح على استعداد لوضع الاجابة النموذجية، وهى أن الصحراء منطقة جغرافية تخلو أو يندر بها الماء والزرع والحياة، وتكون حارة نهاراً باردة ليلاً فيما يعرف بالمناخ القاري.

هذا هو التعريف الذي طالما عرفناه عن الصحراء، ولكن الآن بعد أن اجتزنا فترة التعليم المدرسي أصبح من الممكن أن يكون لكل منا تعريفه الخاص بكلمة صحراء؛ فهناك صحراء فكرية لا حديث فيها ولا أفكار، وهناك صحراء النفس التي مهما قرعت بها الأجراس فهي خاوية على عروشها، ليس فيها متسع للحياة أو هذا ما تظنه النفس، فدائماً وأبداً ما يكون هناك متسع للحياة. فبامكاننا اعتبار "طور الصحراء" أحد المراحل التي تمر بالانسان مرور عابر، لكن هناك من يسمح لهذا الطور بالتكمن منه والتغلغل إلى أعماقه، وهناك من يُعيد استصلاح نفسه مرة أخرى حتى تطرح زهور وبساتين.

فإذا تحدثنا عن صحراء الفكر وَجدنا أن لها عدة أنواع؛ فلا يعني ذلك أن يكون الشخص خاوي العقل، "تافه" إذا أردنا تحري الدقة، ولكن من الممكن أن يكون غير قادر على التفكير آملاً في إيجاد بعض السكينة والطمأنينة، فيصاب حينها بصحراء لا إرادية تُصارعه ويُصارعها فيغلب أحدهما الآخر، فإما أن يعود إلى طبيعته أو أن يجد السكينة التي يبحث عنها! وهناك أيضاً تشتت الذهن الذي يُعتبر أحد أنواع صحراء الفكر كذلك.

أما عن صحراء النفس فذلك عندما تتملكك العديد من المشاعر المتسقة في أحيانٍ، المتناقضة في أحيانٍ أخرى، تتصارع وبعضها لتطفو إحداها على السطح، ولكن لا تسمح إحداها للأخرى بذلك، مثلها كمثل زهرة تُصارع هواء الشتاء البارد العنيف لتتفتح في الربيع مع أخواتها من الزهرات، مانحةً العديد من الأشخاص الشعور بالحياة، ولكن الصحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، لا يوجد بها سوى السراب الذي لا يغني ولا يسمن من جوع، فكيف ينبُت الزهر في صحراءٍ قاحلةٍ سوى بوجود الماء، ولا ماء في الصحراء سوى مياه الآبار، فحيث وُجدت مياه الآبار وُجد الزرع والزهر، فعلى من يُعاني أحد أطوار الصحراء البحث عن بئر مُخبأ هنا أو هناك، فطالما وُجد البئر وُجد الماء فأنبتت الروح زهراً.