منذ كنت في العاشرة من عمري وأنا أرتدي النظارة الطبية نظراً لضعف بصري المبكر بسبب اصطحابي قصص (ميكي جيب ) في الفراش دوماً ، ومن وقتها أصبحت نظارتي الطبية لا تفارقني إلا عند الوضوء والنوم ، هي أول ما أبحث عنه في الصباح ، وآخر ما يفارقني بالليل ؛ أذكر أنني افتقدتها في إحدى الأيام وأنا ذاهبة للكلية ، وكان يوماً عصيباً بكل المقاييس ، فلم أتمكن من رؤية ما يكتبه المحاضر على لوح الكتابة ، ولا رؤية أرقام الحافلات ، حتى صديقاتي لم أكن أتعرفهن إلا حينما تقترب مني إحداهن لأراها بوضوح ، ولولا وجود صديقتي التي اعتمدت عليها في كل شيء ما كنت بلغت منزلي قط إلا بحادث مروع ، هذا إن عدت أصلاً .
والآن أتساءل ..هل النظارات الطبية مهمة إلى هذا الحد ؟ الواقع أنها مهمة لنا جميعاً حتى بالنسبة لأولئك ذوي البصر الحاد ، فكل منا يمتلك بداخله نوعان من النظارات ..
إحداهما بداخل عقلك .. وظيفتها تصنيف كل ما حولك ووضعه في مكانه الصحيح .. فهذا تافه ..وذاك غث .. وتلك لا تستحق ، مثل الرادار الذي يرصد كل شيء ويسجله بدقة بالغة ، وكلما زادت درجة نضج المرء كلما ازدادت حدتها ورؤيتها ..
والأخرى في قلبك ..وتسمى البصيرة ، وظيفتها شبيهة بأشعة إكس التي تظهر ما بداخل الجسم ، لكن تلك تظهر ما بداخل القلوب ، لذا فإنك لا تشعر بالارتياح تجاه تلك الوظيفة .. وينتابك الشك حول هؤلاء الأشخاص .. وتكتنفك الريبة إزاء بعض التصرفات التي قد تبدو بسيطة ..
قد تحمل في داخلك نوعاً واحداً ..أو الاثنان معاً ..وقد لا تحمل شيئا ً على الإطلاق ، لكني أنصحك أن تحاول امتلاك أحدهما على الأقل كي تتمكن من فك طلاسم الحياة المعقدة واجتياز طرقاتها غير الممهدة براحة وثقة ...
يكفيك وقتها أن تزيل عنهما الغبار لترى بصورة أفضل ..
وأوضح
#أميرةتوفيق
-
أميرة توفيقخريجة كلية الزراعة جامعة القاهرة - احب الكتابة جدا منذ الصغر
التعليقات
ابدعتي أميرة ،أتمنى لك التوفيق.