نملة الأمل - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

نملة الأمل

  نشر في 09 مارس 2017 .

ترتسم على محياك سمات اللامبالاة، لم تعد تكترث لما يدور حولك، تحس بألم عميق يسري في عروقك، يشل تفكيرك، يضغط بشدة على قلبك الصغير الذي أعياه انتظار اللحظة وخطف حيويته اليأس. ألم غير مرئي ولا محسوس هو ذاك الذي يسكن روحك ويوجعها. ألم خفي يصعب معرفة مصدره ولا ينفع معه دواء الطبيب.

تخيل معي أن تحمل أثقالا غير مرئية. كل من حولك يراك رشيق القوام لا تشكو من شيء ويتوقع منك أن تمشي بخفة، مرفوع الرأس، وقد زينت محياك ابتسامة عريضة. بينما أنت في حقيقة الأمر تجر ورائك خيباتك وانكساراتك الدفينة، وتحمل على كتفيك نعوش أحلام أجهضت قبل أن تولد ورغبات حبيسة ظلت أسيرة مخيلتك. ومع كل هذا تواصل السير، وتتقن الدور وتتظاهر بأنك على خير.

يمر الوقت وأنت على هذه الحال. تحس بإعياء شديد نتيجة الجهد المضاعف الذي تبذله. تتورم رجلاك من المشي، ينكسر ظهرك، وترتعد أطرافك، تنهار قواك وتخر أرضا. تحاول النهوض لكن دون جدوى. في تلك اللحظة فقط، تكتشف أن أثقالك قد ازدادت وجسدك المنهك لم يعد يقوى على حملها. تفكر في طلب النجدة، تصرخ بأعلى صوتك، تنادي على من حولك. لكن للأسف، سقوطك كأثقالك لا يريان، وصوتك غير مسموع أيضا. ما من خيار أما إلا الاستسلام للعجز والألم. يتمرغ وجهك في تراب الخيبة وتنساب دموع الحسرة من عينيك كنهر جاري.

هذه حال صديقنا، وحال الكثيرين من الطموحين المترددين أمثاله، الذين وقعوا فريسة سهلة لليأس والتسويف. لكن من حسن حظ صديقنا أن نملة الأمل جاءت للقائه. أكمل لكم سرد القصة على لسانه كما أخبرني بها حين التقيته صدفة في إحدى محطات الحياة:

"بينما أنا ملقى على الأرض شق آذاني صوت رقيق لم أتبين مصدره. كان يردد على مسامعي:''كفاك تخبطا! ما كل هذا اليأس والخيبة الذي تحمله في داخلك؟ إنك تكبل أحلامك وطموحاتك فتخنقها وتجعلها عاجزة عن الحركة والانطلاق. ما يعيق تحقيقك لأهدافك ليس حجمها أو وزنها، بل هي كرات اليأس والعجز والتردد والتشاؤم الملتصقة بها. اجتاحني ذهول وترقب عجيبين، فلأول مرة هناك من أبصر آلامي وأثقالي. جففت دموعي بأطراف ثوبي، والتفت يمنة ويسرة لعلي أتبصر مصدر الصوت. جلت ببصري حولي، فتراءت لي حبة قمح تتحرك باتجاهي. أمعنت النظر فيها، فإذا بها محمولة من طرف نملة صغيرة الحجم.

كانت حبة القمح تفوق النملة حجما ومع ذلك فالنملة لم تتوارى عن حملها بكل ثقة وصبر. اقتربت النملة مني أكثر، ألقت التحية وقالت لي: كنت أتتبع تحركاتك من بعيد. لقد حباك الله بمؤهلات جبارة، ولديك رغبة قوية. لكنك للأسف، متردد وتستحوذ عليك أفكار سلبية، وتصورات قبلية خاطئة تستنزف طاقتك الايجابية، وتعيقك عن الحركة والانطلاق. ما ينقصك هو المبادرة والعمل الدؤوب. فالرغبة المتوقدة رغم كونها محرك قوي للنفس البشرية، تظل وحدها عاجزة عن تحويل نفسها إلى حقيقة. وهي تفتر وتتلاشى إن لم تقترن بالتنفيذ. على سبيل المثال، عش النمل سيكون فارغا من الأكل في فصل الشتاء وسيموت النمل جوعا إن ظللنا نحن النمل نرغب فقط في جمع الطعام دون أن نخرج من مخبأنا ونشرع في البحث الفعلي عن الطعام ونقوم بجمعه وتخزينه.

كذلك المخططات لا قيمة لها ان لم تطبق. صحيح أن التخطيط شرط أساسي ولازم قبل الشروع في أي أمر. لكن لا يجب عليك أن تستغرق الكثير من الوقت في هذه المرحلة. فقط خطط للمرحلة الاولى وانطلق وأثناء الطريق ستكتسب خبرات تستطيع من خلالها تحسين مخططاتك وتعديلها.

ولا تنسى الاستعانة بخبرات المختصين والاستفادة من تجارب الآخرين. فنحن مجتمع النمل نتعاون فيما بيننا ونوزع الأدوار، فيسهل علينا حمل قطع الطعام الكبيرة التي تفوق وزن النملة الواحدة منا. لا تتواني عن طلب المساعدة ان كنت في مأزق. وتذكر دائما ان أخذ القرار يكون بالعمل وليس بالقول أو التفكير. لذا تسلح بالتوكل، وحسن الظن بالله، وانطلق حيث أنت وبما معك من إمكانيات وكفاك انتظارا وتسويفا.

بعد أن انتهت من هذه الجملة، أحسست بأن جسمي بدأ يتعافى، فقد اختفى الألم الذي كنت أشعر به. وتمكنت من النهوض والوقوف على قدمي من جديد. حرارة كلماتها وجدت طريقها إلى قلبي، فأذابت جليد التشاؤم واليأس الذي كان يجثم على روحي. أردت أن أشكرها على جميل صنعها فلم أجدها أمامي. فخطر ببالي أن أفضل وسيلة لشكرها هي أن أكون وفيا لما قالته لي وأشرع في تنفيذ مخططاتي الراكدة. كان أول ما قمت به هو تسجيل نفسي في فصل دراسي لتحسين لغتي الاجنبية. حلم لطالما راودني، لكني كنت أؤجله دائما.

بعدها اعتذر مني لأنه في عجلة من أمره ففصله الدراسي سيبدأ بعد نصف ساعة. وهو يغادرني، لمحت في عينيه بريق أمل وإصرار وفي جسده حيوية ونشاط لم أرهما من قبل. ذهب كل واحد منا إلى حال سبيله لتنتهي قصتنا. لكن قبل أن أترككم، أريد أن أخبركم، أن قصتنا ليست من ضرب الخيال ولا من قصص ألف ليلة وليلة، ونملة الأمل ليست مخلوقا أسطوريا. نملة الأمل كائن حقيقي يأخذ أشكالا عدة ويمكن أن يصادفه كل واحد منا مرات عديدة ولربما التقيتموه من قبل. نملة الأمل هي شعاع الشمس، هي ابتسامة طفل، هي رفقة صالحة، هي دعاء أم محبة، هي يد حانية، هي كتاب محفز. نملة الأمل باختصار رسالة ربانية يبعثها الله لعباده عندما تنقطع بهم السبل وتنفذ حيلهم، فيحيون من جديد. فلننصت لنملة الامل ولنكن نملة أمل لمن حولنا.       


  • 6

  • أسماء المرابط
    أقوم بتدوين كل ما يجول في مخيلتي من خواطر وأفكار. أحب السفر و الاستكشاف و التعرف غلى عوالم و ثقافات أخرى.
   نشر في 09 مارس 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا