لقد خانها هذا الاحساس القاسي مرة اخرى، وهاجمها في اشد لحظاتها ضعفاً.

هذه الحيرة التي تصيبها في المواقف الحاسمة؛ هل عليها العبور ودهس الماضي وتمزيق تلك الصور المحفورة في ذاكرتها، ام عليها الوقوف عند نقطة البداية لتعيد ترتيب مراحل سحقها هو بتجاهله ونشاف ردوده.

انها لا تشعر الآن الا بكم قليل من الحب والرغبة، لكهنا العادة اللعينة، هذه التي تجبرها على البقاء رغم التعرض للاهانة المستمرة، رغم صراخ عقلها الناضج ونعيق قلبها المهشم.

لقد ادركت منذ زمن ليس بقريب ان مايبقيها بجانبه لم يعد حبها له، بل اعتيادها على ملئ فراغها به، اعتيادها على محادثاته الطويلة، قبلاته الخاطفة، ملاطفاته الزائفة، وحتى على اجتراره وحماقاته.

لم تعد هي تلك الفتاة القوية الارادة حين يتعلق الامر به، حين يستحوز على عقلها صوت جاف ينادي باسمه، عندما ترتمي بين يديه مصرّةً على البقاء وتلقي الضربات، وفي احيانٍ كثيرة يرمي بها السم في مكالماتيهما التي اوشكت على ان تكون نادرة.

هذا المرض الخبيث، وحده مالم تجد له علاجاً حتى الآن، هي التي لطالما آمنت بقدرتها على الشفاء من جميع الامراض، ولطالما كانت مصدر قوة ونبع نصائح لصديقاتها في مختلف الآزمات..

يبدو ان العادة تغلبت على ذكائها وسيطرت على افكارها.

ان رغبتها بالرحيل لم تتجاوز بعد اعتيادها عليه، انها بحاجة للمزيد من القسوة، والكثير من الشقاء، حتى تنتفض في لحظة ما، رافضة البقاء تحت سيطرة الماضي، ومتجاوزة حيرتها المعتادة..

يبدو انه ليس من السهل انتزاع مارغبنا بزرعه بقوة في قلوبنا وتفاصيل حياتنا، ان التخلي عما يؤلمنا لا يقل صعوبة عن التخلي عن سعادتنا..