والتقينا.. شرد ذهنى فقد كنت دائما أقول إن الارادة فوق كل شيىء، فالإنسان يمتلك شيئا لانهائيا ً- في مقدرته فكيف يخشى، ولماذا يخشى؟ كيف يضع المجهول في حسابه.. فهل هناك أشياءً تُعَد فوق الارادة؟!
- (تستمع لي ويدها تعبث بيدي.. أشعر من حرارتها أنها لاتسمعنى، وكأن أذنيها محشوة بالعجين!)
انها مشكلة تحوي العديد من التساؤلات وكلها بلا جواب.. مالذى يجعل الانسان يتصرف بطيش ويتجاهل إرادته، وتتلقفه أيادي الشيطان؟!
- (نظرت لي بطرف عينيها وبغرور شديد وكأنها تقول: أنا.. أنا أستطيع أن أوجهك كيفما أشاء!)
تذكرت قليلا.. سخرت من نفسي.. الارادة.. ماهي تلك الارادة.. ما لونها وما شكلها؟ لم أستشعرها قط فى حياتها – سوى فى الروايات أو على لسان الأصدقاء.. كنت لاأرغب فى التعليم وأهرب من المدرسة فيلاحقنى الضرب والاهانة في كل مكان.. من أبى.. من المدرسين.. حتى وصلت للجامعة بعد سنوات كثيرة!
- (ضغطت على أصابعي.. همست.. لا تسرح.. لا تبتعد عنى.. اقترب أكثر وأكثر.. أليس هذا اتفاقنا، والا لم وافقت على الخروج معي ؟!)
شردت.. همهمت.. حقا لِمَ وافقت وكيف ومتى؟ لا أدرى.. ربما لأن الزمان سلب منى – أكثر وأكثر- ارادتى فلم أعد أدرى ماذا أريد؟!
حتى بعد ماأبعدنى قطار الأيام عن محطة الطفولة والصبا وصرت في محطة الشباب.. بقيت كما أنا حيث بدأت!، وكل ما زاد مع مرور السنين مجرد رتوش بسيطة للصورة الأصلية فبدلا من الضرب والاهانة صارت الأوامر والنهى والحساب، انه العقاب في ثوب آخر!
فليس لي رأى أو كيان.. في الكلية.. في الشارع.. فى المنزل، وفى أي مكان!
- (أمسكت بيدي ووضَعَتْها على وجهها، لامست شفتيها، سحبت يدي ووضعتها بجانبي.. نظرت لي بغضب: ألا تحبني؟ صمت ولم أجب..
قالت: لم خرجت معي؟ صمت ولم أجب!)
ركزت بصري على السماء، تجاهلت الزهور والحديقة الجميلة التي التقينا بها.. تذكرت كيف ترددت علىّ كثيرا وألحت في طلب مقابلتي.. تجاهلتها، فاستمرت في التقرب.. كانت تحدثنى بعيونها وليس بثغرها- مثل العشاق فظننته عشقا، ولم أكن أدرى ماذا يدور داخلي.. لا أدرى.. أهذا هو الحب؟، ولكنني قرأت أنه يسمو بالانسان فهل هذا هو السمو؟
بقيت أحاسيس داخلى.. كنت أسمع أى كلمة أو تجربة فأضيفها بسطور أخرى إليها، وأنسج ثوبا ترتديه أحاسيسي المرتعدة.. شعرت بالتميز الشديد.. حب نادر لم يمر به أحد قبلي.. سعدت، انها المرة الأولى التى أصنع فيها شيئاً جديداً بنفسي.. نعم فهى لم تصنعه لى مثلما يفعل أبى وأمى والمدرسين في المدرسة ثم الجامعة، هي ستحمسني فقط وهذا كل ما أريده.. الحماس.. ولكن أي شيىء سأصنع.. اللقاء!
والتقينا، وظللنا هكذا في صمت قاتل يحتوينا.. همست: لم الصمت؟ انى أسمعك بكل جوارحي، لقد كنت حزينا، وقد وعدتك أن ندفن الحزن سويا!
امتدت يدها ثانية وأمسكت بيدي.. بدأ الحديث على لساني، واستمرت الرياح تضيع جزءاً، وأذناها التى لاأشعر انها تسمعنى- تُضيع جزءاً، ويداها العابثة تضيع جزءاً، وعيونها الساحرة تضيع جزءاً حتى وصلها في النهاية حديثي بقايا، سار في الهواء مكبوتاً.. مقتولا كان ولايزال لا يجد مستمعا.. صرخ الحديث داخلي، سقطت الدموع من عيني.. امتدت أناملها الناعمة تمسحها وتعبث بوجهي وشعرى.. رجوتها.. جذبتني بحرارة الى صدرها.. احتضنتني.. دفعتها.. ماذا تفعلين؟ همست: انى أحبك! صرخت: أهذا هو الحب؟
قالت: نعم ألا تدري.. قلت: أرجوكِ ابتعدى، قالت: لا أستطيع أنى أحبك! قلت: ابتعدى!
قالت: وماذا أقول لقلبي؟ قلت: قولي له أنت لاتعرف معنى الحب!
قالت: وماذا ستقول لقلبك الذي أحبني؟ قلت: سأقول له: ستحب عندما تمتلك الارادة؟
قالت: وماذا ستقول لعقلك؟ قلت: سأقول له.. ستحب عندما تجد الرياح تهدأ، والعيون تصدق، والأذن تنصت، وحديث الجسد يصمت.. وقتها ستعثر على معشوقك، ولن يصير حديثك- بقايا حديث.
عبده عبد الجواد
بورسعيد-مصر فى 1/ 7/ 1984
-
Abdou Abdelgawadرحلتى الطويلة مع عشق الكلمات لسنوات هاويا، تحتوينى كلماتى أحيانا وفى أخرى أحتويها ، كفانى أراء وحب الأصدقاء كأوسمة ونياشين تفيض بها ذاكرة عمرى ، وسيظل عشقنا الكبير حتى يتوقف بنا قطار الحياة، وحينها ستبقى الكلمات شاهدا ...
التعليقات
جميلة تلك الصور والانتقال بين المشاعر المتضاربة
أدهشتني تفاصيل اللقاء وكأني كنت هناك
على المقعد المجاور.