مشاهدات في التاريخ الأمريكي: - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

مشاهدات في التاريخ الأمريكي:

  نشر في 04 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 04 نونبر 2022 .

ان الحديث عن التاريخ الأمريكي لابد أن يجتدب الحديث عن أوروبا و التاريخ الأوروبي فالأمريكيون ليسوا في غالبهم إلا أوروبيين منهم الإنجليزي( الغالب) و منهم الألماني و الفرنسي و الإيرلندي و الإسكتلندي و الإسكندنافي ، و أمريكا نفسها لم تكن إلا دولة أوروبية في العالم الجديد و التاريخ الأمريكي ليس سوى امتداد للتاريخ الأوروبي و لم تحقق أمريكا استقلالا عن الأحداث في أوروبا و العالم القديم إلا بعد أمد بعيد من وصول أول المستوطنين و بعد مبدئ مونرو الشهير القاضي بعدم السماح الأي دولة أوروبية بالتواجد بقوة في العالم الجديد عموما , قوبل هذا المبدأ بالسخرية أول الأمر إلا أنه تم تطبيقه و أصبح من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي لا تتغير و لا تتبدل, و يمكن اعتبار الهزيمة الإسبانية على يد أمريكا أوائل القرن ٢٠ و خسارتها لمستعمراتها في العالم الجديد (بورتو ريكو ، كوبا..) هو الإعلان الرسمي  لتحول أمريكا إلى قوة عظمى  .

 لكن لم الحديث عن التاريخ الأمريكي ، لا يخفى على عاقل أن التاريخ هو الوسيلة الأمثل لفهم الواقع و الحاضر و كما لا يخفى كذلك على من كان له أدنى إطلاع على الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة اليوم في السياسة العالمية في مختلف أقطار المعمورة , فكان من الضروري كنتيجة لهذا الدور و لهذه الأهمية فهم عقلية هذا العملاق الأمريكي للنفوذ إلى الطريقة الأمثل للتعامل و التعاطي معه و هذا لا يكون إلا بالدراسة التاريخية المعمقة و بالخصوص للأحداث التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل عقلية هذا الأمريكي و فهمه لنفسه و للآخر .

-أرض الميعاد الجديدة:

يجمع المؤرخون على أن لحظة بدأ الأمة الأمريكية مسيرتها هي حين نزل المستوطنون المسمون بالحجاج (Pilgrimes) في بلايموث فكانوا النواة الأولى لهذه الأمة الأمريكية البيضاء البروتستانتية البيوريتانية التي فرت من الاضطهاد الديني في إنجلترا و التي كانت تتكون بالأساس من النخبة المتعلمة المثقفة  ,عميقة التدين متصلبة الآراء فرت أول الأمر من إنجلترا إلى هولندا لكنها خشيت اندثار ثقافتها الإنجليزية و انصهارها في المجتمع الهولندي فوجدت في العالم الجديد ملاذ لها حيث ابتغت تأسيس مجتمع فاضل في هذه الأرض البكر مجتمع ديني ,كما وجدت في رحلتها و رحلة خروج بني إسرائيل من مصر في العهد القديم و دخولهم أرض الميعاد تشابها كبيرا و كان هذا المعنى مستحضرا بقوة لدى مختلف الحجاج وهو بالغ الأهمية سيكون له بالغ التأثير على العقلية الأمريكية ، و يراجع كتاب وليام برادفورد أحد ركاب سفينة (May flour) التي كانت تقل هؤلاء الحجاج .

-الشمال و الجنوب:

-استوطن هؤلاء البيوريتان المناطق الشمالية من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الحالية و التي تعرف ب (New england) و تضم ولايات ماساشوستس الحالية و نيو هايمشير و فيرمونت و ماين.. ، في حين استوطن باقي المستوطنين الإنجليز المناطق الجنوبية ، فكان الاختلاف و التباين واضحا بين أهل الشمال و أهل الجنوب فالشماليون قوم متدينون هاجروا بدينهم إلى العالم الجديد بحثا عن الحرية الدينية و كانوا عائلات منهم النساء و الأطفال عكس الجنوبيين الذين كانوا في أصلهم مجرد مغامرين باحثين عن الثروة و الاغتناء في العالم الجديد.

و هذا التباين الشمالي الجنوبي قائم حتى يومنا هذا فدائما الشمال أكثر تعلما و تثقفا من الجنوب و الشمال صناعي و الجنوب فلاحي الشمال لا عبودية فيه و الشمال أكثر سكانه من السود العبيد كل هذا كان من أسباب الحرب الأهلية الأمريكية بين الإتحاد المكون بالأساس من ولايات الشمال الصناعية الأغنى التي لا تعتمد في اقتصادها على العبيد و الكونفدرالية المكونة من ولايات الجنوب الزراعية و خصوصا زراعة القطن و التبغ و السكر التي تعتمد في زراعتها هذه بشكل شبه كامل على العبيد ، عدم وجود نساء في بدايات المستعمرات الجنوبية و تكونها بالأساس منن المغامرين أثر كثيرا كذلك على كثافتها السكانية فلطالما كان الشمال أكثر سكانا من الجنوب .

-عند الحديث عن العقلية الاستيطانية الإستقرارية الشمالية و العقلية الربحية القصيرة الأمد الجنوبية تذكر مسألة تقدم أمريكا الشمالية و تأخر أمريكا الجنوبية على الرغم من تكافئ الموارد و يرجع ذلك إلى إختلاف العقليتين سابق الذكر فالمستعمرات الإسبانية و البرتغالية في أمريكا الجنوبية كانت تدار و تستغل بتلك العقلية الجنوبية استغلال مجرد من قبل الإسبان و نقل الموارد لأوروبا دون تطوير للأرض و دون استقرار بها و هذا يختلف تماما عما قام به الإنجليز في أمريكا الشمالية و في الولايات الثلاث عشر بالخصوص فكانت لدى الإنجليز عقلية استيطانية استقرارية فكان المستوطن البيوريتاني بالخصوص ينقل ثروته إلى العالم الجديد لا العكس و هاته المقاربات المختلفة كان لها عظيم الأثر على تطور كل من الأمريكيتين وهو ما يفسر كذلك التواجد الأكبر للعرق الأبيض في أمريكا الشمالية بالنسبة الأمريكا الجنوبية في التركيبة السكانية.

-التأثير الأوروبي:

-قبل الاستقلال الأمريكي من الهيمنة البريطانية كانت الأوضاع في أمريكا تتأثر بشكل كبير بالأوضاع في أوروبا فكانت ما إن تندلع الحرب في أوروبا تنتقل مباشرة إلى العالم الجديد لتندلع كذلك بين مستعمرات الدول المتحاربة في أوروبا فكانت المستعمرات البريطانية تتأثر بشكل كبير من هذه الحروب فتتأذى اقتصاداتها و كان هذا هو مبدأ رغبتها في الانفصال عن بريطانيا إذ رأت أنها تحارب لمصلحة بريطانيا و تتأذى مصالحها الاقتصادية و كان هذا هو مبدأ رغبتها في الانفصال عن بريطانيا إد رأت أن الأخيرة تقدم مصالح الجزر البريطانية الأرض البريطانية الأم على المستعمرات  ، و كان فتيل الاستقلال الأمريكي هو السياسة الضريبية البريطانية في المستعمرات الثلاث عشر التي رآها المستوطنون مجحفة رغم عدم تمثيلهم في البرلمان البريطاني و ارتفع شعار (No taxation without representation) أي لا ضرائب دون تمثيل برلماني ، وهو ما واجهته  بريطانيا بفرض المزيد من الضرائب .

-هاجس الأمن:

-يمكن اعتبار الموقع الذي تتوفر عليه الولايات المتحدة أفضل موقع يمكن أن تتمناه قوة عظمى فمركزها المطل على محيطين هما الأطلسي و الهادي ميزة بالغة الأهمية تفتح لها أبواب التجارة الدولية و تجعل من أي غزو لها مهمة شبه مستحيلة لأنه سيكون بالتأكيد غزو بحري من مراكز القوة الأخرى في العالم في أوروبا و آسيا و أي غزو بري من الدول التي تشارك أمريكا حدودا برية (كندا و المكسيك) أكثر استحالة لكونهما حلفاء لأمريكا و هما أضعف من تحديها أساسا .

 هناك هاجس أمني كبير لدى الشخصية الأمريكية رغم كل هذه المميزات الإستراتيجية و الجغرافية تكرس هذا الهاجس الأمني بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٩/١١ التي شكلت صدمة للأمريكي الذي ضرب في عقر داره أمر لم يحدث منذ تأسيس الدولة و بالطبع هناك استفسارات كثيرة حول ما حدث في ٩/١١ تقابل بتهكم و توصف بأنها أحد نظريات المؤامرة و هي بعيدة عنها كل البعد في الحقيقة و هذا موضوع لمقال آخر.

-صناعة الإجماع:

إن صناعة الإجماع من أهم أولويات صانع القرار الأمريكي فهو يحكم مجتمعا شديد الاختلاف و التنوع فيه بيض و لاتين و سود آسيويين لدى وجب توحيدهم نحو هدف مشترك و موحد و أفضل طريقة لفعل ذلك هو الخوف، الخوف من العدو المتربص بأمريكا و الحاقد على أسلوب حياة الأمريكيين الأفضل ، و صانع القرار هو من يتكلف عبر وسائل مختلفة تستعمل آخر ما توصلت إليه علوم النفس و الاجتماع بتحديد هذا العدو و التضخيم من خطره و قوته بل و صناعته إذا لم يوجد فدائما ينبغي أن يكون هناك عدو كان هو الألماني و إمبراطوريته في ح.ع.١ ثم الألماني النازي في ح.ع.٢ ثم الاشتراكي و اتحاده السوفياتي في الحرب الباردة و بعد أن انهار الإتحاد السوفياتي سنة ١٩٩١ تم استبداله بعدو كان الاعلام يعمل قبل هذا التاريخ على تحضيره ليلعب دوره و هذا العدو هو "الإسلام".

-تطرف البيوريتان :

-إن فهم النفسية الأمريكية يقتضي الغوص في تفاصيل تاريخ هذه الدولة الوليدة عبر دراسة معمقة للأحداث التي كان لها بالغ الأثر في تشكيل هاته النفسية و الحقيقة أن فهم أمريكا و النفسية الأمريكية لا يكون إلا من خلال فهم المذهب البروتستانتي و فرعه البيوريتاني بالخصوص و فهم الشخصيتين الإنجليزية و الألمانية اللتان شكلتا الأساس الديموغرافي للأمة الأمريكية و لازال و موضوع فهم شخصية أو نفسية شعب ما موضوع غاية في الإثارة فالدارس ينبش مختلف العلائق سواء كانت دينية ، ثقافية، اقتصادية ،تاريخية ، وفي الحالة الأمريكية فإن البروتستانتية و الرأسمالية هما العنوانان الأكبر و الأبرز و كذلك أحداث تاريخية كالثورة المجيدة في إنجلترا على سبيل المثال التي كان لها بالغ الأثر على الفرد الإنجليزي و بالتالي الأمريكي سواء عن وعي أو عن غير وعي .

إن ما أدعوا إليه هو إعادة النظر في  فكرة دراسة التاريخ كأحداث مرت و لم يبقى لها أثر على الواقع، فهذه المنهجية فاسدة جامدة في التعامل مع التاريخ, إنما ينبغي النظر للحدث التاريخي كفاعل في الواقع مأثر فيه يمكن تمييز ملامحه في كل قرار يتخده الفرد المنتمي لتلك الدورة و السردية التاريخية سواء أدرك ذلك أو لم يدركه .

يصف علي عزت بيغوفتش لحظة سقوط بغداد و الهجوم المغولي على بلاد المسلمين بأنها مبدأ ضعف و انحطاط الحضارة الإسلامية و إن كان المغول قد هزموا بل و أسلم جلهم إلا إن أثر الصدمة صدمة سقوط بغداد و الهزيمة الإسلامية لا تزال تأطر العقل المسلم بسياج من الخنوع ، فالمسلمون لم يستعيدوا ثقتهم بأنفسهم و بقدرتهم على تغيير الواقع منذ تلك اللحظة التاريخية الخطيرة و الحاسمة ، وهذا مثال واحد على مدى تأثير الحدث التاريخي و على طول و امتداد أثره.


  • 1

   نشر في 04 نونبر 2022  وآخر تعديل بتاريخ 04 نونبر 2022 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم













عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا