يفزع المحب إلى الليل كما يفزع الغريق إلى من ينقذه واللديغ إلى من يعوذه، لأنه روض الحسنات، ومحل رفعة الدرجات، ومحو الخطيئات، ولانه منجم العطايا والمنح، ومهبط الكرامات والتحف، والليل محبب للعباد لأنه وقت ينزل فيه ملك الملوك يعرض المغفرة على عباده والعطاء لسائليه، وفيه العبادة تكون أقرب إلى الإخلاص لصفائها من حظوظ النفس كالراحة والنوم وقضاء الأوطار، ولصفائها من نظر المخلوقين ومراقبتهم وحديثهم، وفيه يصفو الكون من الضجة والزحام والحركة، وفيه تنزل السكينة وتعم البركة، ولأنه وقت العودة من المعاش والله يقول:" فإذا فرغت فانصب ". لتتذكر العودة الكبرى إليه فكما يعود الإنسان من معاشه إلى فراشه فكذلك سيعود من دنياه إلى خالقه، ولأنه وقت الخلوة بالمحبوب والله يريدك أن تكون له لا لغيره..
وما استنشق نسائم الأسحار مزكوم غفلة إلا طهر من الشوائب قلبه، وزكى من القواطع قلبه، وصلح إلى الله سيره، وكثر بين الناس خيره، وفاح عبير فضله، ومالت القلوب لوصله..
ما أجمل تبتل القلب في محراب العبودية والليل ساكن والخلق هاجعون والدمع واكف والقلب واجف واليد ممتدة والروح خاشعة..
ما أجمل أن يردد القلب بكل ذل وخضوع :
وافيتُ بابك -يا رباه- مُطّرِحا..
والقلب يا سيدي بالخوف مُتَّشِحا
الوزرُ أثقلني .. والحزن يطحنُني..
كأنّني حَبّةٌ تاهتْ بجوفِ رَحَىٰ !
وافيتُ دارك .. لا زادٌ يبلّغني..
ولستُ يا خالقي من جملة الصُلَحا
لكنْ أتيتُ وحسن الظنِّ يخبرني..
بأنّ سترك والغفرانَ قد رَجَحَا .!
-
عامر الخميسيأعشق العزف على حروف الإبداع..أطير في سماء الفكر كطائر غريد..