إن جوهر أى ثورة هو الصراع حول «السُلطة السياسية» ، ومن واقع هذا فإن الصراع «حول» و«مع» الثورة يدور بين القوى التي «تطمع» فيها والقوى التي «تحوزها» أى السلطة.

فمثلاً في الثورات البورجوازية التقليدية كان الملك وأمراء الأقطاع والقسس هم الذين يحوزون السلطة فكانوا بذلك هدفاً للثورة عليهم من الطبقات الفقيرة والبورجوازية.

وفى ثورة يناير ٢٠١١ كان الصراع بين مؤسسة الرئاسة بقيادة مبارك والطبقة الاجتماعية(الكمبرادورية) الأكثر ثراءً التى خُلقت وتكونت فى أواخر عهد السادات وطوال حقبة مبارك. فكانوا بذلك هدفاً للثورة عليهم من الطبقات الفقيرة والبورجوازية.

ومنذ تولى نظام الرئيس السيسي الحكم وهو يحاول استخدام فلسفة "غوروا" وتطبيقها على ثورة يناير.

إن دلالة تعبير "غوروا" من الناحية الثقافية ترتبط بإسهامات الفيلسوف "جاستون باشلار" عن مفهوم «القطيعة» ، حيث يرى أنه [لا يمكن تأسيس طريق جديد للتقدم عن طريق السير في الطرق القديمة ، بل لا بد من القطع مع القديم من أجل تأسيس الجديد].

ويريد النظام المصري اليوم اتباع مفهوم باشلار عن «القطيعة» مع الماضي ، وأول هذا الماضي القريب هو ثورة يناير الذى يرى أنها تعيق التقدم عن طريق فتح الباب لدخول (الفوضى) التى ستدمر الانجازات العظيمة لطبيب الفلاسفة!!

و لا يعي البعض أن لكل ثورة أهداف ، ففى حين أن الثورة الفرنسية كانت أهدافها ذات محتوى سياسي متمثل فى «الحريات» السياسية.

- والثورة البلشفية أهدافها ذات محتوى اجتماعى.

- فإن الثورة المصرية طلبت الاثنين(السياسي والاجتماعي) فى شعارتها( عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية).

إن يناير «حقيقة» ، والحقيقة موجودة دائماً، وفى كل لحظة، وإنما قد تحُول دونها «قيود» في بعض الظروف وقد «تصد» عنها «حدود» أو «سدود» في ظروف أخرى.

ولكن كل «القيود» و«الحدود» و«السدود» لا تلغى الحقيقة ، إن أكثر ما يمكن أن تفعله هو أن «تشوهها» ، ولكن لا تستطيع تلك القيود والحدود والسدود أن تلغيها أو تشطبها لأنها «حقيقة» ، والحقيقة كالشمس لا يمكن حجبها بسواتر الدخان(سواء المنطلق من قنابل الداخلية فى المظاهرات أو القادم من محركات جنازير الدبابات المنطلقة لفض الاحتجاجات).

إن ما لا يعرفه البعض أنه مالم يتم تحقيق أهداف ثورة يناير فى اصلاح سياسي واجتماعي حقيقى لمجتمع (ينصف المظلوم من قهر الظالم ويساوى بين الناس بالعدل ويوفر حياة إنسانية وكريمة للمواطن) سيظل الحاضر «قلِق» أو «متوجس» أو ربما «خائف» أو حتى «مرعوب» من أثار الماضي الوارفة ظلالها عليه.

إن مالا يدركه البعض أن الماضي لا يموت لأنه الأب الشرعى للحاضر ، والحاضر هو جزء من صورة المستقبل لأنه حاضنته.

ويوما من الأيام قال شيخ الثوار "فلاديمير إيلتش لينين" لتلميذه "جوزيف ستالين" الذى طالبه بعنجهية الجهل المتسلح بغرور أدوات السلطة الباطشة بمسح وهدم تاريخ القياصرة :

«لا يمكن هدم الماضى أو إلغاءه أو شطبه أيها الرفيق .. ما يمكننا فعله هو تصحيح أخطاءه فقط.. و غير ذلك عبث الواهمين .. وجنون الحالمين .. وهلاوث المغيبين»!

فهل وعيت أيها الرفيق؟!