كان أكثر حديثي مع الصديقة الدكتورة “نوال القاضي” الاستشارية في الطب النفسي هو الازدواجية والنفاق العربي, أستمرت حوارتنا لأيام لمحاولة تفسير هذه الازداوجية والنفاق في أخلاقيات وسلوك المواطن العربي وصلنا ما وصلنا اليه من نقاط, قد تبرر هذا النفاق والازدواجية كمرض مصاب به العربي ومن نقاط قد تدين حامل هذا النفاق ولاتبرر كهذا المقال.
كعادة أي هجوم على بلد غربي ذو دوافع أسلامية, تحقق مقاييس النفاق العربي أعلى الدرجات, لكن هذه المرة حقق رقماً قياسياً مميز وخاصة مارك المعلون فعلَ “خاصية” تضامن مع الشعب الفرنسي في موقعه الازرق, حيث ما أن جاءت الانباء حول العملية حتى تسابقت بيانات التعزية والأستنكار العربية تفوق عدد شهداء الأبرياء الذين سقطوا في العراق والشام, بعيداً عن عمائم العهر وساسة الدعارة من حكومات عربية وكهنة الوسطية, أتحدث عن شعوب تسمى “عربية” تعاني من نقص حاد في روح الأنتماء, اذ تفاجئت وكعادتي أتابع كل خبر وقضية من منظور -أجتماعي- بحجم النفاق العربي الذي بذل أتجاه هجمات باريس, وجدت ياسادة منهم من حزن حزناً حتى عاهرات شارع “الشانزلزيه” لم تحزن مثيله بالرغم من أنقطاع مصدر أرزاقهن بسبب الهجمات, ومنهم من تباكى وأستنكر كأن القتلى أبنائه أو عشيقاته, ومنهم تضامن وغير صورته الشخصية وثرثر بكم هائل من هراء الأنسانية والمدنية بكل أزدواجية وهذا الصنف أسخف مما سبق وعقب,اما الاكثر مللاً وسذاجة أولئك الساخطين الغاضبين ومبررهم “سمعة الاسلام” اذ يرون هكذا عمليات تشوه صورة الإسلام, المشكلة في هؤلاء لم يعرفوا عن فرنسا سوى “الوضع الفرنسي” أما عن تاريخ فرنسا ضد الإسلام والبلدان الإسلامية, و عن اليمين المتطرف وماذا يفعل ويرتكب بحق مسلمي فرنسا البالغ عددهم 5 مليون مسلم, وعن ما ترتكب فرنسا حالياً من جرائم في الصومال وأفريقيا والعراق وسوريا ودعماً للتنصير امور وقضايا لم يسمعوا بها المتباكين تحت شعار صورة الاسلام!
لاأريد أن أبرر ما جرى ليس حتى لا أتهم بالتكفير والدعشنة؛ أنما أجد العملية فوق كل تبرير وشرعنه من الزبور حتى الانجيل مروراً بالقران وحتى على صعيد الفلسفة والافكار من أرسطو مروراً بأفلاطون ونيتشه ختاماً بـ هيجل وميكافيلي هذه هي الحقيقة, للأسف هكذا عمليات تظهر عيوب النظام “الديمقراطي” يوماً بعد يوم كون الشعب هو الحاكم والحاكم يتحمل جزاء حكمه وسوء سياسته هذا هو العدل يا سادة!
بعيداً عن النفاق العربي وقتلى باريس, نتحدث حول قضية اللاجئين ما بعد هجمات باريس, كما معلوم بعد ما حصل في باريس قامت مجاميع من أنصار “اليمين المتطرف” بحرق مخميات اللاجئين واخذ هذا الموضوع حيز كبير لدى جماعة من المستنكرين هجمات باريس ومنهم من أدخله ضمن نظرية المؤامرة وأخرون أؤولوه وفسروه تفسيرات غريبة عجيبة, لكن المهم ما في الموضوع هو مصير اللاجئين في البلدان الاوربية وحقيقته ونتائج مجريات هجمات باريس على اللاجئين وعلى تلك البلدان.
اللاجئين في فرنساً
بالرغم من المقطع الذي تداول في مواقع التواصل والوكالات الاخبارية من حرق لمخيمات النازحين في فرنسا, لكن الحقيقة هي شيء أخر وبعيد عما روج بشكل كبير, نشرت عدة تقارير حول اللاجئين في فرنسا, نورد بعضاً منها التي توضح حقيقة وحجم اللاجئين في فرنسا, منها الأول تقرير لـ CNN بتاريخ 22 سبتمبر/ايلول 2015 حمل عنوان “اللاجئون السوريون والعراقيون يرفضون العيش في فرنسا رغم فتحها أبوابها أمامهم” ورد فيه نصاً:
“وظهر جليًا أن قلة قليلة من اللاجئين هي من تجرّب حظها للإقامة في فرنسا رغم أن هذه الأخيرة تعد من أقوى بلدان الاتحاد الأوروبي، وقد أكد مراسل جريدة سويسرية أن العدد الذي استقبلته ألمانيا في يومين يبقى أكبر مما قد تستقبله فرنسا في سنتين.
وبذل المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين جهدًا كبيرًا لأجل إقناع السوريين والعراقيين بالتوجه نحو بلده وتخفيف العبئ على ألمانيا، فعدد من اقتنعوا خلال الأيام الماضية لم يتجاوز 500 أو 600 على أقصى تقدير، وهو رقم أقلّ بكثير من الأماكن المتاحة، إذ تفضل الأغلبية البقاء في ألمانيا، وحتى من سافروا نحو فرنسا، اشترطوا الكثير من مقوّمات العيش الكريم على سلطاتها قبل ركوبهم الحافلات."
اذ كما يظهر التقرير عدد اللأجئين العراقيين والسوريين في فرنسا قليلة جداً بالمقارنة, وكما وصف الصحفي “السويسري” العدد الذي أستقبله المانيا في “يومين” اكبر مما قد تستقبله فرنسا في يومين, أما عن أسباب قلة رغبة اللاجئين بالهجرة الى فرنسا وكيف طبيعة الوضع هناك بالنسبة لهم الاجابة عليه في تقرير “مرصد الازهر الذي صدر بتاريخ 19سبتمبر 2015 بعنوان “وضع اللاجئين في فرنسا بين الإنسانية والعنصرية”
أستعرض التقرير في مقدمته مواقف فرنسا من أستقبال اللاجئين والتذبذب الحاصل حول هذه القضية أستمر التقرير بالحديث حول العنصرية الفرنسية أتجاه اللاجئين وعن دعوات رؤساء البلديات الفرنسية بأشتراط قبول اللاجئين على أن يكونوا “نصارى” مضطهدي من قبل تنظيم الدولة, وأختتم التقرير بتساؤل “ماذا بعد دخول اللاجئين إلى الأراضي الفرنسية؟ هل هو التعايش والاندماج أو العزلة المجتمعية في ظل رفض نسبة ليست بالقليلة لدخول اللاجئين إلى فرنسا؟!”
هذا هو واقع اللاجئين السوريين والعراقيين في فرنسا وحقيقته بعيداً عما يشاع ويدعي في الصفحات الفيسوكية, أما عن غير اللاجئين الجدد (القدمى) وعن المسلمين في فرنسا, يبلغ عدد مسلمي فرنسا حسب الاحصائيات أكثر من 5 مليون مسلم سواء كانوا من أصول عربية أو أفارقة أو أصول فرنسية أعتقنوا “الإسلام” جميع المسلمين في فرنسا يعاملون كأقلية مضطهدة تمارس بحقها أنتهاكات عديدة وتفرض عليهم قوانين ضد حريتهم الدينية لدرجة أعترف بها وزير الداخلية الفرنسي منذ عام 2003 عندما صرح “المسلمون في فرنسا مواطنون من الدرجة الثانية” حيث يمارس اليمين المتطرف نشاطه السلبي والمتعصب أتجاه الدين الإسلامي عامة والمسلمين خاصة في فرنسا منذ سنوات طويلة وبمرور الزمن يلاحظ تزايد حجم التطرف النصراني لدى العديد من الشعب الفرنسي.
اما بخصوص حادثة إحراق مخيمات اللاجئين
هذا العمل حصل ومستبعد تكراره مرة أخرى, اذ أرقام المسلمين في فرنسا التي تزيد عن خمسة ملايين مسلم الذين يعانون من أضطهاد وتعامل عنصري منذ سنوات, تعرضهم لأي محاولة استفزاز وأعتداء عليهم قد يدفع بهم الى الانضمام ومناصرة تنظيم الدولة وخاصة تعتبر فرنسا المصدر لاأول في قائمة الدولة الأروبية المصدرة للجهادين , أو قد تولد -الاعتداءات- أنفجار بركاني نتيجة هذه الاعتداءات تدخل فرنسا في حالة من الشغب والاضطراب الكبير, وهذا ما لاترغب به اي دولة غربية وخاصة فرنسا, وحتى أن أقدمت فرنسا على هكذا “حماقة” وقامت بأعطاء حرية لليمين المتطرف بممارسة الانتهاكات, بكل تأكيد المسلمين هناك سوف يكون لهم موقف كما وضحنا, على العموم هكذا صراعات أن حصلت داخل فرنسا لها نتائج ايجابية على الصعيد الاسلامي والعربي في الدول التي تتدخل بها الحكومة الفرنسية وتمارس بحقها انشطة عدائية, كونها توجه السياسية الفرنسية على شؤونها الداخلية.
اللاجئين في المانيا
كما معلوم أن “المانيا” أستقلبت الالاف من اللاجئين وخاصة السوريين بالدرجة الاولى والعراقيين والجنسيات الأخرى بالدرجة الثانية, اذ تعتبر المميزات التي توفرها المانيا لطالبي اللجوء جعل منها قبلة للراغبين بالهجرة من دون البلدان الاوربية الاخرى, بالرغم من عدم وجود أحصائية ثابتة حول عدد اللاجئين العرب في المانيا كون الهجرة مستمرة, لكن هناك احصائية حول عدد المهاجرين الى النصف من العام الحالي صادرة من المكتب الاتحادي للاجئين والهجرة.
اكثر دولة أصابت بالصدمة بعد تفجيرات باريس هي “المانيا” لدرجة تحركت بشكل كبير حول محادثات “فيينا” اذ صرحت على لسان وزير خاريجتها “المشاركون في مؤتمر فيينا قرروا بدء محادثات فورية مع المعارضة السورية” لتخرج بعد ذلك مقررات كانت منتظرة منذ سنوات ذهب على ضحيتها عشرات الالاف من الشعب السوري, اذ مقررات “فيينا” تضمت أيقاف لأطلاق النار وتشكيل حكومة أنتقالية وفق جدول زمني, على العموم المانيا أدركت خطر اللاجئين هي في بلداها, اذ اللاجئين وبصراحه هم قنابل مؤقتة وخلايا نائمة وخاصة ان من منفذي علمية باريس من ضمنهم لاجئون حسب تصريح وزير يوناني! اذ المهاجرين الذين وجد في صفوهم ميلشيات “شيعية” غير مستعبد أن يكون في صفوهم أشخاص قد أرسلهم تنظيم الدولة لأهداف بعيدة أو قريبة الامد, وخاصة أن أستراتيجية “الضرب من الداخل” ان صح التعبير التي تحدث عنها مخططي السلفية الجهادية حيث ورد في كتاب “حرب العقول أبعاد وخفايا عالم المخابرات والتجسس” دعوة لأستغلال تواجد الجالية الإسلامية في الدول الغربية لمصحلة وأهداف السلفية الجهادية والمشروع الجهادي, بالإضافة الى وجود روح جهادية في مواطني تلك البلدان التي تعتبر فرنسا وبريطانيا والمانيا البلدان الاولى التي يهاجر منها المجاهدين الى سوريا, كما توضح الاحصائية أدناه التي اصدرتها مجلة “The Economist”
حيث هؤلاء يشكلون خطراً لايمكن تدراكه ولكي نوضح هذه الخطر الكبير والتأثير البالغ, نستعرض جانب من تقرير على قناة “فرانس 24” الفرنسية ضمن تغطية هجمات باريس حمل عنوان “تحليل: “هجمات باريس ضربة متوقعة يصعب تداركها” مما نصه التقرير:
مسؤول سابق في الاستخبارات الفرنسية: لا يمكن القيام بشيء!
وقال “آلان شويه” المسؤول السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية السبت “لا يمكن القيام بشيء” مؤكدا أنه “لا يمكن في أي من الأوقات وقف ثمانية أشخاص مصممين تم تدريبهم في الخارج وأرسلوا أو دخلوا إلى هنا ويجري تحريكهم من سوريا، من الانتقال إلى التنفيذ”.
وتابع أن “مسلحي مساء الجمعة كانوا بالتأكيد يعرفون بعضهم من قبل وتم تدريبهم على عدم لفت الانتباه والبقاء خارج شاشات الرادار والتحرك بشكل معزول والضرب معا”.
وقال “بوسعكم إن أردتم إقامة غوانتانامو فرنسي في لارزاك (منطقة ريفية في جنوب فرنسا) واعتقال آلاف الشبان العائدين من سوريا فيه، لكنكم لن تنجحوا يوما في منع ثمانية شبان من حمل السلاح”.
وقال آلان شويه “هذا ما هو جديد، وهذا ما سيشكل بالتأكيد أحد محاور التحقيق. أن خبير المتفجرات ثمين للغاية ولا يشارك أبدا في الهجمات. وبالتالي، فهو هنا، في مكان ما…”
اذ حجم التأثير والخطورة التي يمكن أن يتسبب بعض أشخاص تابعين لتنظيم الدولة لايمكن تدراكه ولاتوصف خطورته كما رأينا في هجمات باريس وقبلها العشرات التي قامت بها القاعدة سابقاً او تنظيم الدولة حديثاً, وكيف ووجود الالاف اللاجئين الذين من غير المستعبد وجود بينهم أشخاص مستعدون لضرب المصالح الغربية كثأر لما حصل في بلدانهم أو يحملون ميول جهادية.
خلاصة القول أن هجمات باريس فتحت الإبصار حول نقاط عديدة أبرزها خطورة تواجد اللاجئين في أوربا و المانيا خاصة, وكيف غيرت-هجمات باريس- مجريات سياسية عالقة كمحادثات فيينا التي وصفتها “هافينغتون بوست” في صفحتها اليوم “داعش وحّدتهم اعتداءات باريس تذيب الخلافات الدولية حول الحل في سوريا”وعلى الصعيد مصير اللاجئين في فرنسا كما وضحنا الاعتداء عليهم “حماقة” لاتركبتها الحكومة العاقلة, وأن أرتكبتها تفتح على نفسها أبواباً من جحيم بأختصار هم بخير-اللاجئون- لاتحزنوا, فأن الاحزان تناديكم في العراق وسوريا, اما في المانيا بالرغم من عدم وجود خطر ملموس على أرض الواقع, لكن الخارجية الالمانية التمست خطورة الموقف ولهذا سارعت عقب هجمات باريس بحسم الازمة السورية كما سوف نلاحظ في الايام القادمة, وعلى صعيد أخر يرى جماعة من -المراقبين- أن الايام القادمة سوف تشهيد تصعيد من قبل التحالف الدولي في حربهم ضد تنظيم الدولة والمتوقع يحصل على اثر هذا التصعيد مجريات قد تكون مفاجئة, فضلاً سوف تعتبر مرحلة مصيرية لوجود التنظيم!
-
العم حماديالعم حمادي كاتب ساخر ومحلل سياسي جاد, أكتب في الواقع السني العراقي وهمومه, من ليس معني بالشأن السني العراقي لايفهم ماذا أكتب, والمصاب بداء الانتماء لايسعد بما أكتب.