أحط الرحال في مراكش.. وفي المدينة الحمراء يحلو العبث بالكلمات.. إنها كلمات على غرار كلمات ماجدة الرومي ليست كالكلمات.
مراكش ولياليها التي لا تنام.. وعشق وطن يسكنني فأصوم عن الكلام.. أتجول ملئ حواسي في ساحة جامع الفنا.. أشم رائحة المغرب الذي أحب.. أتعطر بعطر أعشابه البرية.. وأخضب يداي بحناء وعطر الجنوب.. أحتسي كؤوس الشاي الأخضر بالنعناع مثنى وثلاث ورباع.. ولا أمل، فطعمه يتجدد في فمي مع كل رشفة وكل لحظة تأمل فأطلب المزيد.
تجذبني التفاصيل الصغيرة.. أستشعر دفئ وسحر وجمال الأجواء .. فيحلو لي الكلام على الورق والعبث بالأحرف والكلمات.. فنحن المجانين بعشق الكتابة لا نكف عن الكلام.. قد نصمت زمنا ثم نتذكر.. ونكتب، ولن نعلن القطيعة عن الكتابة ما حيينا.. إننا نكتب ونبحث عمن يقرأ.. نبحث عمن يحس بكتاباتنا ويذوب عشقا في كلامنا...!!
تعطرت الساحة الليلة برائحة الريحان.. والقرنفل.. والورد والحناء، تنسمت عطور الأرض في شراهة، حتى كادت عروقي تنفجر.. وكلما استيقظت من غفوتي الروحية، طلبت المزيد.
مراكش يا وطني..
فيك يختبئ الليل والتاريخ ورائحة الأرض.. فيك لا تنام العيون.. ولا تطفئ الأنوار.
ساحتك الليلة تصدح بأغاني مجموعة ناس الغيوان.. أغان متوغلة في القدم.. نشأنا وترعرعنا على نغماتها الدامعة.. تؤرخ لسنوات الجمر والرصاص في وطني.. أغان لم تنس ولم تنجح السنين في طي صفحتها.. وهبها العربي باطما عصارة روحه، وشبابه، وبداوته، وصوته الشجي النازح من ولاد سعيد.. أغان لا تقبل الترجمة ولا الشرح.. تفيض حبا.. ودما.. وألما.. وتمردا
أستطعم في مازوشية ألمها اللذيذ..فأنتشي وأذوب.. أتنفس في دمائها.. أتدحرج مع كلماتها.. وأحس بملوحة دموعها.
نغم يقتلع كبدي.. ويذيبني.
من يصبر على فراق مراكش؟!
ودفئها ونبضها وحضنها.. وليالي ساحتها الشهيرة
رائحة عطورها وزيوتها وحنائها.
أرض مدينة "البهجة".. التي أسبغت على سكانها ثوب الفرح.. فصرنا ندعوهم "بهجاوة" نسبة إلى مدينتهم التي صبغت باللون الأحمر وبلون المرح معا..
وهل مثل المراكشي، كثير المدح.. كثير الكلام؟! الذي يعيش حالة انتشاء دائم، وتطول حكاياته في بطء حصري.. عابثا بالساعة وبالزمن.
أواصل تأمل ساحة جامع الفنا.. بقعة من الأرض تذوب فيها الفوارق.. تضم المشاهير وأولاد الشعب.. يلتقي فيها المغربي بالمشرقي بالأوروبي.. والإنسان واحد.. لغة السلام هي السائدة.. يغرق كل في عالمه، وأحلامه وهامشه.. ويتفاعل مع نبض الساحة على طريقته.. بعيدا عن الجلد والمحاكمات.
يا مدينتي الحمراء...!!
كيف تقتلعينني بهذا الشكل؟!وتجزئينني آلاف القطع؟!
كيف أبكي فراقك كل مرة ..
ولا أمل..
كيف يتجدد جمالك في عيني، فأذوب عشقا فيك..
ولا أرى إلاك..
كيف أنبت نخيلك في مسامي.. وأمزج حمرتك بدمي..
وأجدد فيك حب الوطن الأم..
ولا أنسى..
كيف تخترقني عطورك..
وأعشابك..
ورائحتك..
فأنتشي بعروبتي..
وحين أذكر فراقك.. أبكي..
ولا أنام..
كيف تعبرينني.. وتبعثرين خرائطي..
وتعبثين ببرنامج سفري..
فأنقاد حبا..
ولدهشتي..
لا أحتج..
فوزية لهلال
التعليقات
المغرب هي عاصمة قلبي، أحبها وأحب لكنَة أهلها وأحب كل من يُحبها.
عنجد حبيبة ديالي كـ نبغيكم بزاف.
أخذتينا في رحلة جميلة جدََا مصوّرة إلى المغرب العربي ويا ليت كل رحلاتنا إليه.
فنانة في التصوير وتجسيد المشاعر الجميلة كتابةََ، ومن عنده هذه المَلَكة سوى سيدتي الأنيقة/ فوزية. موفقة وموفق قلمك ومسددة الخطى دومََا... شكرََا لـ اختيار الفكرة واختيار أدوات التعبير والكلمات المنتقاه... شكرََا عن حق على ابتسامتي هذه :). بوركتِ يا غالية.
سأحتاج أن أعيد قراءة المقال مرّات ومرات لكي أملاً أنفاسي من عبق البلاد التي أنجبتُ وليدي من رحمها، ولكي تنتشي أوداجي من لهفة الشوق إلى مضارب أهلها، ونضارة أرضها.
شكرا لك أختي الفاضلة. أنت مدرسة.
أعجبني هذا المقطع في مقالك: (فيحلو لي الكلام على الورق والعبث بالأحرف والكلمات.. فنحن المجانين بعشق الكتابة لا نكف عن الكلام.. قد نصمت زمنا ثم نتذكر.. ونكتب، ولن نعلن القطيعة عن الكتابة ما حيينا.. إننا نكتب ونبحث عمن يقرأ.. نبحث عمن يحس بكتاباتنا ويذوب عشقا في كلامنا...!!".
استمري في الكتابة .. فكما تبحثين أنتِ عمن يقرأ، يبحث القارئ أيضًا عمن يكتب .. وأضمن لكِ أنكما في كل مرةٍ - لا بد - ستلتقيان.
دُمتِ مبدعةً.
حقيقة فإنني اتمنى زيارة بلاد المغرب العربي و بلاد الشام من كثرة ما قرأت عنهم . أتمنى أن أنعم يوماً بهذه الفرصة .
موفقة إن شاء الله و كل عام و أنتِ بخير .
حقيقة ..لا اظن انك كنت تكتبين .................بل كنت ترسمين.. بالفرشاة و الالوان .. مغربا جميلا دافئا بلون الغروب ...
رغم كل تلك الحيوية و السعادة في استخدام الالوان .. احسست بان هناك حزنا مختبئا هناك بين تداخل الالوان.. حنين الى الام ..الى الوطن ..... للاسف فنحن
نغادر اوطاننا مرغمين .. فمن منا يحب الرحيل .. لا احد .
اعجبتني تلك الفقرة ...
وهل مثل المراكشي، كثير المدح.. كثير الكلام؟! الذي يعيش حالة انتشاء دائم، وتطول حكاياته في بطء حصري.. عابثا بالساعة وبالزمن.