انسابتْ الفِكَرُ كالطوفانِ و علا صوتها فوقَ أصواتِ الموجِ المنسابِ برتابةٍ على الشاطيء و لكنَ موجةً عاتيةً كانت تنتهي حيث جذع شجرٍة كبيرٍ خاوٍ استلقى منهكاً على الرملِ الأصفرِ و قدْ بدأ يغرقُ رويداً رويدا، أحستْ بأنفاسِ الجذعِ التي بدأت تثقلْ و هي تحدثها و تقولُ: نعمْ كنتُ ذاتَ يومٍ شجرةً وارفةَ الظلاِل ،خضراءَ الورقِ، كثيرةَ الثمرِ، و ذكيةَ العطرِ.
تعلقَ قلبي بغيمةٍ سكنتْ سمائي ، أظلتني بالنهارِ و آنستْ حلكةَ ليلي، رأيتُ فيها أقواسَ القزحِ في النهاراتِ الماطرةِ و راقبتُ فيها ظلالَ الطيورِ المهاجرةِ في الخريفِ ، و صوَر إنعكاساتِ المروجِ الخضرِ في الربيعِ، و حجبتْ عني قسوةَ و ظلمَ شمسِ الصيفِ.
لمْ أدرِ كمْ فصلٍ مضى…. و لكنْ الغيمةَ بدأت تتلاشى، و بدأتُ أوراقي تتساقطْ ، و ليسْ الوقتُ خريفاً ، و الشقوقُ تزدادُ على أغصاني و جذعي .. و لأولِ مرةٍ .. أنظُرُ حولي .. أولُ مرةٍ أنظرُ الى الأرضِ، لأدركَ أني في صحراءٍ ليس بها سواىَّ .. و غيرَ رمالٍ صفرٍ … ليس حولي منْ أحدٍ ، رفعتْ رأسي لأسألَ غيمتي كلَ التساؤلاتِ التي كادتْ تكونُ أثقلَ و أكثرَ من رملِ الصحراء .. لأدركَ أنه لا غيمَ في السماءِ … و أنْ غيمتي ….. وهمٌ و محضُ سرابٍ من خيالي . أفقتُ على صحراءٍ أنكرتني ، و صفعتني بريحها و غضبِ رمالها و اقتلعتني من الجذورِ .. قذفتني حيثُ لم يصلْ خيالي يوماً ، و إذ بي هنا على شطِ بحرٍ عاتٍ، و أحلمُ أنْ أستريح ..و أتسائلُ: أ البحُرأرحم أم الصحراءَ ، أم كلاهما قدري .. و كلاهما سواء.
أهو الدمعُ الذي حرقَ و جنتيها أمْ رذاذُ ملحِ البحرِ الذي رشقتهُ تلكَ الموجةِ العاتيةِ التي سحبتْ الجذعَ إلى البحرِ الكبيرِ الصاخبِ. رفعتْ رأسها للسماءِ، و لكن السماءَ خلتْ من أيِّ غيمةٍ ، و تسائلتْ ترى كمْ فصلٍ في حياةِ المرءِ منا ؟ و إذْ بموجةٍ غاضبةٍ تهزها و تكادْ تسقطُها على الشاطيءِ، و قدْ غاصتْ قدماها في الرملِ المغمورِ بالماءِ … يجيبها : قدرُالمرءِ أنْ يعيشَ أربعةَ فصولٍ فقط … المتوقعَ والمعلومَ والمأمولَ والمجهول.
-
راوية واديكاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.