حديث البحر - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

حديث البحر

حديث البحر

  نشر في 17 يناير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

انسابتْ الفِكَرُ كالطوفانِ و علا صوتها فوقَ أصواتِ الموجِ المنسابِ برتابةٍ على الشاطيء و لكنَ موجةً عاتيةً كانت تنتهي حيث جذع شجرٍة كبيرٍ خاوٍ استلقى منهكاً على الرملِ الأصفرِ و قدْ بدأ يغرقُ رويداً رويدا، أحستْ بأنفاسِ الجذعِ التي بدأت تثقلْ و هي تحدثها و تقولُ: نعمْ كنتُ ذاتَ يومٍ شجرةً وارفةَ الظلاِل ،خضراءَ الورقِ، كثيرةَ الثمرِ، و ذكيةَ العطرِ.

تعلقَ قلبي بغيمةٍ سكنتْ سمائي ، أظلتني بالنهارِ و آنستْ حلكةَ ليلي، رأيتُ فيها أقواسَ القزحِ في النهاراتِ الماطرةِ و راقبتُ فيها ظلالَ الطيورِ المهاجرةِ في الخريفِ ، و صوَر إنعكاساتِ المروجِ الخضرِ في الربيعِ، و حجبتْ عني قسوةَ و ظلمَ شمسِ الصيفِ.

لمْ أدرِ كمْ فصلٍ مضى…. و لكنْ الغيمةَ بدأت تتلاشى، و بدأتُ أوراقي تتساقطْ ، و ليسْ الوقتُ خريفاً ، و الشقوقُ تزدادُ على أغصاني و جذعي .. و لأولِ مرةٍ .. أنظُرُ حولي .. أولُ مرةٍ أنظرُ الى الأرضِ، لأدركَ أني في صحراءٍ ليس بها سواىَّ .. و غيرَ رمالٍ صفرٍ … ليس حولي منْ أحدٍ ، رفعتْ رأسي لأسألَ غيمتي كلَ التساؤلاتِ التي كادتْ تكونُ أثقلَ و أكثرَ من رملِ الصحراء .. لأدركَ أنه لا غيمَ في السماءِ … و أنْ غيمتي ….. وهمٌ و محضُ سرابٍ من خيالي . أفقتُ على صحراءٍ أنكرتني ، و صفعتني بريحها و غضبِ رمالها و اقتلعتني من الجذورِ .. قذفتني حيثُ لم يصلْ خيالي يوماً ، و إذ بي هنا على شطِ بحرٍ عاتٍ، و أحلمُ أنْ أستريح ..و أتسائلُ: أ البحُرأرحم أم الصحراءَ ، أم كلاهما قدري .. و كلاهما سواء.

أهو الدمعُ الذي حرقَ و جنتيها أمْ رذاذُ ملحِ البحرِ الذي رشقتهُ تلكَ الموجةِ العاتيةِ التي سحبتْ الجذعَ إلى البحرِ الكبيرِ الصاخبِ. رفعتْ رأسها للسماءِ، و لكن السماءَ خلتْ من أيِّ غيمةٍ ، و تسائلتْ ترى كمْ فصلٍ في حياةِ المرءِ منا ؟ و إذْ بموجةٍ غاضبةٍ تهزها و تكادْ تسقطُها على الشاطيءِ، و قدْ غاصتْ قدماها في الرملِ المغمورِ بالماءِ … يجيبها : قدرُالمرءِ أنْ يعيشَ أربعةَ فصولٍ فقط … المتوقعَ والمعلومَ والمأمولَ والمجهول.



  • 3

  • راوية وادي
    كاتبة و رسامة فلسطينية .مدونتها الخاصة علي الإنترنت Rawyaart : (https://rawyaart.com) متفرغة للكتابة و الرسم في الوقت الحالي.
   نشر في 17 يناير 2018  وآخر تعديل بتاريخ 08 ديسمبر 2022 .

التعليقات

خطفني خيالي بين جمال كلماتك وروعتها
0
راوية وادي
شكراً عزيزتي
Salsabil Djaou منذ 7 سنة
البحر يغرق و الصحراء تحرق ،...احلم ان استريح ،وهكذا صارت الراحة حلما في هذا الزمان،اظن الدمع يحرق اكثر من ملح البحر لان بكاء القلب يؤلم اكثر،فعلا قدر الانسان ان يعيش اربع فصول بتقلبها وتقلباتها ،كلمات جميلة حزينة حائرة ،تحياتي للرسامة الكاتبة .
1
راوية وادي
شكراً عزيزتي .. فقط فسحة الأمل و ربما وهم الخيال تعطينا القدرة على احتمال و تجميل الواقع الصعب.

لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا