إلى : صغيرتي
صباحٌ بطعمِ السكرِ، وأنا أسيرُ في الشارعُ، رأيت فتاةٌ صغيرةٌ، بياضُ عيناها صافِ كالحليب، وسوادهما يحتلُ مساحة كبيرة منه، وكأنها نجمةُ تطفو فوق نهرٍ من الحليبِ، ابتسامتها براقةٌ، قضمت قلبي، تلهو بخفة، تلاعب الصبية، تضحك ملءَ فمها، تقفزُ قفزاتٍ متتالية، تتناثرُ بعض قطرات الطين على ملابسها، ستغضبُ أمها بشدة، ربما ستوبخها عندما تعودُ للمنزل، لكنها وبكل رحابة كعادتها ستضيفها لأكوام الملابس المتسخة بالسبت البلاستيكي. ثم ستبدلُ ملابسها سريعًا، وتحتضنها بقوة، ستسعدُ لأن أنفاسها الرقيقة تصطدم بجيدها، ستلصق صدرها بصدرها لتمنحها الدفء، وتسمع دقات قلبها الصغيرة بعناية.
أطلت الوقوف قليلًا، تأملتها، لمحت بريق عينيها وطاقة الطفولة التي لا تهدأ، تمنيت أن أعانقها كأم تعانق صغيرها لا كغريبيين، تمنيت أن أسرقَ كل لحظة ثم أدفئها وأجمدها بذاكرتي ثم أحتفظ بها لأطول وقت ممكن. تخيلت حينها أن الجمال مكانٌ بلا ألوان زاهية، لكنه شديد الدفء يشبه العناق، والحب شعورٌ طيبٌ، كشجرة راسخة يستظل بها الناس، جذورها متأصلةٌ، والأمومةُ طاقةٌ غريبةٌ كمجال مغناطيسي يربط الكواكب بعضها بعضًا أو كقوة الجاذبية، أو كفيزياء الثقب الأسود، ندرسُها لكننا لا نعرفُها تمام المعرفةِ، مظلمةٍ ودافئةٍ ومشتعلةٍ وساكنةٍ، تجمع كل الشحنات المتضادة معًا جمعًا منمقًا، لا شك أن رب السماء حين ضرب المثل برحمته اختص بها الأمومةَ.
شعرتُ بهذه الطاقة الغريبةِ، وكأن الأرض تلف حولي أو أنا من يدور حولها، يساورني كثيرًا كلما لمحت شيئًا صغيرًا، طفلًا كان أو قطة، وتزدادُ غرابةً عندما أفكرُ بكِ. أتخيلُ ملامحك الدقيقةُ، وخصلاتك الحريرية، عيناك الدافئتين، ضآلة حجمك، عقلك، رقتك، مشيتك، كل ما يخصك. أرسم مئات الخيالات لهيئتك التي لا أعرفُ عنها شيئًا، وأقصُ بعضَ الحكايا، الكثيرُ منها، قصصٌ ترقدين على ذراعيَّ، نخترعُ قصةً عن مملكةِ خياليةِ، يمكن للجميعِ ألا يخجلوا من خطاياهم، أو نجري حتى تنقطعَ أنفاسنا، سنتشاركُ الكثيرُ ونتبادل الكثيرُ.
لا أدرى ما إن كنت تلك الأم الصالحة أو الأنثى السوية التي تساعدك لاستكشاف طاقة الأنوثةِ بداخلك، لا أعرفُ هيئتك جيدًا، ولا أعرف متى نلتقي، كلها خيالاتٌ في عقلي، ليست محكمة الحبكة، لا أدري مصيري المبهم، المستقبلُ مبهمٌ، لكنني سأعانقك عناق لألفِ عامِ، وأمنحك كل الحب إلى أن ينضبَ محزونُ الحب من عالمي.