أ تُراك تمجد أم تجمد عقلك ؟؟ - مقال كلاود
 إدعم المنصة
makalcloud
تسجيل الدخول

أ تُراك تمجد أم تجمد عقلك ؟؟

فكر التجديد

  نشر في 12 فبراير 2017 .

ما حاجتك إلى العقل أيها الإنسان ؟ لعل هذا التساؤل المستفز قد لا يجد جوابا له عند جمهور عريض من ذوي العقول المنتكسة ! و لعله عند جمهور آخر من أوليات الوجود الإنساني و لا يستقيم لهم كيان إلا بجوهر العقل و آليات عمله ! لكن النظر إلى الوضع البشري من الزاوية العقلية المجردة يؤدي إلى نتائج قاصرة معلومة تاريخيا، فالخوض في كون الإنسان عقلاً محضاً أو عقلا مخالطا للمادة أو غير ذلك من الأقوال الفلسفية العميقة أمر لا طاقة لنا به، و إنما نحن في مأخذنا هذا نرصد فعل العقل في الانتقال بالإنسان من دركات الركود إلى درجات الصعود، و الدفع به إلى الخروج من قوقعة الجهل و الاستكانة و الخرافة و ما إلى ذلك من نواقض النهضة الحقة.


مما لا غرو فيه أن العقل في عملية التجديد و التنوير كان و لا يزال قطب الرحى، و إذا كانت الدراسات و الأبحاث قد انكبت منذ القدم على التنظير لأسس وشروط بناء مفهوم التجديد، فمن المسلمات التي انتهى إليها الباحثون هي أن التجديد على المستوى النظامي والحركي قد يخفق في غياب التأصيل الفكري والمنهجي لعملية التجديد، الأمر الذي يجعلنا نلمس آصرة التماسك بين النظرية والفاعلية في مجال التجديد الحضاري. و من أبسط التعاريف الإصطلاحية التي سيقت في تحديد مفهوم التجديد و أشملها، هو أن التجديد عبارة عن فاعليّة إنسانيّة مصدرها الفرد والمجتمع، بمبارحة وضع الخمول والجمود والثبات، والسعي إلى النماء والنمو والتغيير الفكري والعملي، إضافةً إلى استخدام جميع الوسائل المتاحة في شتّى مجالات الحياة. فنحن إذن أمام رحل و راحلة، و على كل فرد أن يمتطي راحلة عقله ثم يشرع في رحله نحو التجديد و التغيير، و إلا ظل حبيس ركنه، و ليته بقنوعه الذليل هذا جر الضرر على شخصه فقط، بل إنه بذلك يشل سير أجيال أخرى ...


إن أقرب نموذج ينط إلى أذهاننا عند الحديث عن النهضة و التجديد و محاربة التقليد و الخرافة، التاريخ الأوروبي الحديث للحركات العصرية للقرن 15م، وما شهد من انتفاضة للعقل ضد أفكار الكنيسة على وجه الخصوص، و ذلك بإخضاع اللامعقول للمعقول، مساءلة كل مقدس، و فحص كل فكرة بمجهر العقل ... هذه الحقبة الفكرية و ما تولد عنها من إنتاجات فلسفية و علمية ضخمة أدت بالضرورة إلى ثورة اقتصادية و اجتماعية و سياسية و أخلاقية. و في سياق سعينا وراء التجديد لا يجب أن نقع في فخ التقليد للأوروبيين، و أن نمحص بمجهر العقل كذلك سبل نهضتهم، لهذا السبب أشفق على من جعل محاربة المسجد على غرار الكنيسة سببا للنهضة !!! إن أوروبا لما أسقطت حكم المسيحية عنها حق لها ذلك، فالتسلط الباباوي جاوز ما هو روحي إلى ما هو فكري و اجتماعي و سياسي، لكنه عجز عن سد ثغرات المسيحية المكشوفة و ما يكتنهها من خرافات و تحريفات ... و كان سلاحه في ذلك تجميد العقل و تسخيره لخدمة الفكر الكهنوتي.


إن أوروبا و إن أوتيت الدهر كله لن تستطيع علاج سم بولس و من والاه ممن حرفوا دين المسيح، لذلك كان حلها هو فصل الدين عن الدولة و قد أفلحت، لكن ماذا عنا ؟ لطالما تساءلت عن سبب إقصاء البعثة النبوية كنموذج للنهضة الفكرية، والتي هي أسمى من تلك التي شهدتها أوروبا، " أَفَلَا تَعْقِلُونَ "، "أُولُو الْأَلْبَابِ"، " لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ"، الحث على التفكر و استخدام العقل يعد من لبنات البناء الإسلامي، بل و يتعداه إلى محاربة الفكر القائم على " بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا "، و هي بذلك دعوة علينة أبدية إلى مراجعة الموروث، و تقويم المنحرف، و إحياء بواعث النهضة العلمية. إن التجديد الذي نطمح إليه ليس تجديداً كلاسيكيا إن صح التعبير، وليس تجديداً قائماً على تغيير آليات الإجتهاد في الإسلام فقط كي يواكب هرولة العصر، إنما هو تجديد يقضي على إسلام العادة و يبني لروح الإسلام منذ النشأة الأولى، فقد هلك الإسلام بسبب أهله، تجديد لا يجعل الدين على هامش الخطة الفردية و الجماعية للتغيير، تجديد يغير خطابه و لا يجعل الخطابة و إستثارة المشاعر أسلوبه، و إنما يخاطب العقل بما هو معقول، تجديد لا تقوم فيه الثورات الفارغة، لا تهدم فيه البنايات، و إنما تبنى فيه أفكار، تجديد لا يخاطب بلسان العروبة أو القومية، و إنما بلسان لا إله إلا الله، و من قال بغير الدين موحداً، فليراجع تاريخ اليهود و الصليبيين، تجديد ينجب لنا مجددين يحيطون بكل الفنون علماً، تجديد ينطلق من العقيدة، يرتب الشريعة و ينتج أخلاقاً، تجديد يهذب مفاهيم القداسة، فلا يدنس مقدساً و لا نقدس مدنساً ...


ما لي و لك بد إلا العود إلى الأصل الأصيل و وحي التنزيل، فلا تجديد من قول قيل و عقم تأويل، إنما هو علم و عمل و دليل، إقرأ و انظر ثم أسقط بالفكر و القلم كل التماثيل، جرد عقلك و نقلك من كل الأباطيل، سارع بتغيير محيطك و لو بالجهاد القليل، فبصبر السنين يصير المركب أساطيل، و يموت المجاهد بطلا و يموت الجبان ذليل ...






   نشر في 12 فبراير 2017 .

التعليقات


لطرح إستفساراتكم و إقتراحاتكم و متابعة الجديد ... !

مقالات شيقة ننصح بقراءتها !



مقالات مرتبطة بنفس القسم

















عدم إظهارها مجدداً

منصة مقال كلاود هي المكان الأفضل لكتابة مقالات في مختلف المجالات بطريقة جديدة كليا و بالمجان.

 الإحصائيات

تخول منصة مقال كلاود للكاتب الحصول على جميع الإحصائيات المتعلقة بمقاله بالإضافة إلى مصادر الزيارات .

 الكتاب

تخول لك المنصة تنقيح أفكارك و تطويرأسلوبك من خلال مناقشة كتاباتك مع أفضل الكُتاب و تقييم مقالك.

 بيئة العمل

يمكنك كتابة مقالك من مختلف الأجهزة سواء المحمولة أو المكتبية من خلال محرر المنصة

   

مسجل

إذا كنت مسجل يمكنك الدخول من هنا

غير مسجل

يمكنك البدء بكتابة مقالك الأول

لتبق مطلعا على الجديد تابعنا